كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 8)

وفيه: أن الأعمال الصالحة من الأسباب التي يفرج الله بها الكُرَب في الدنيا، كما أنه سبحانه وتعالى يفرج بها كُرَب يوم القيامة، ويثيب صاحبها عليه بالثواب العظيم، ودخول الجنة والنجاة من النار، ورضا الرب سبحانه.
وفيه: أن هذه الأعمال لا تصلح ولا تنفع إلا بالإخلاص؛ ولهذا قالوا: ((فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ)).
وفيه: أن الرجل الثاني لما خلَّت ابنة عمِّه بينه وبين نفسها، فجلس بين رجليها مجلس الرجل من امرأته ذكَّرته بالله فعند ذلك تذكر وانتبه من غفلته، وخاف من الله، وقام عنها وتركها مع شدة رغبته فيها، فقد كانت أمنيته وحصلت له، وليس هناك مانع ولا رقيب إلا الله، وجلس منها مجلس الرجل من امرأته، من يستطيع أن يكبح جماح نفسه في هذه الحالة؟
لكنَّ خوفَه من الله وتذكُّرَه وقوفَه بين يديه، وما قام بقلبه من الخوف العظيم الذي جعله يترك الفاحشة مع تمكنه منها وعدم ما يمنعه، وهذه وسيلة عظيمة إلى الله، كما قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((قَالَتِ الْملَائِكَةُ: رَبِّ، ذَاكَ عَبْدُكَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً- وَهُوَ أَبْصَرُ بِهِ- فَقَالَ: ارْقُبُوهُ، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، إِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّايَ)) (¬١)، أي: من أجلي، ولم يتركها عجزًا ولا خوفًا من الناس، فبهذا توسل فانحدرت الصخرة قليلًا، إلا أنهم ما زالوا لا يستطيعون الخروج.
وفي لفظ عند البخاري: ((وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا)) (¬٢).
وفي قدر ما أعطاها روايتان- كما تقدم-: الأولى: ((فَأَبَتْ حَتَّى آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَتَعِبْتُ حَتَّى جَمَعْتُ مِائَةَ دِينَارٍ، فَجِئْتُهَا بِهَا))، والثانية: ((فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ))، ويُحمل ذلك على أنها طلبت منه المائة فزادها هو من قبل نفسه
---------------
(¬١) أخرجه مسلم (١٢٩).
(¬٢) أخرجه البخاري (٢٢٧٢).

الصفحة 14