كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 8)
ولم يؤذن له بالخروج؛ ولهذا قال ابن صياد: ((وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ مَوْلِدَهُ، وَمَكَانَهُ وَأَيْنَ هُوَ))، فيؤخذ من هذا: أنه موجود، وأنه مولود، وأنه موثق بالحديد، وهذا من الأدلة على أن ابن صياد ليس هو الدجال الأكبر.
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَا: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ صَائِدٍ- وَأَخَذَتْنِي مِنْهُ ذَمَامَةٌ-: هَذَا عَذَرْتُ النَّاسَ، مَا لِي وَلَكُمْ يَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ، أَلَمْ يَقُلْ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّهُ يَهُودِيٌّ، وَقَدْ أَسْلَمْتُ، قَالَ: وَلَا يُولَدُ لَهُ، وَقَدْ وُلِدَ لِي، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَيْهِ مَكَّةَ، وَقَدْ حَجَجْتُ، قَالَ: فَمَا زَالَ حَتَّى كَادَ أَنْ يَأْخُذَ فِيَّ قَوْلُهُ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ: أَمَا- وَاللَّهِ- إِنِّي لَأَعْلَمُ الْآنَ حَيْثُ هُوَ، وَأَعْرِفُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ، قَالَ: وَقِيلَ لَهُ: أَيَسُرُّكَ أَنَّكَ ذَاكَ الرَّجُلُ؟ قَالَ: فَقَالَ: لَوْ عُرِضَ عَلَيَّ مَا كَرِهْتُ.
قوله: ((وَأَخَذَتْنِي مِنْهُ ذَمَامَةٌ))، أي: حياء، وإشفاق.
وقوله: ((هَذَا عَذَرْتُ النَّاسَ، مَا لِي وَلَكُمْ يَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ))، يعني: إذا عذرت الناس فلا أعذركم يا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنكم تعلمون الأحاديث، وتعلمون أوصاف الدجال، وأنها لا تنطبق عليَّ.
وقوله: ((فَمَا زَالَ حَتَّى كَادَ أَنْ يَأْخُذَ فِيَّ قَوْلُهُ))،
يعني: حتى كاد يؤثر عليَّ، وأُصَدِّقه في دعواه.
وفي هذا الحديث: دليل على أن الدجال لا يدخل مكة، والمدينة في وقته، وأن الله حرمهما عليه، وجاء هذا صريحًا في حديث: ((فَلَا أَدَعَ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ؛ فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا، كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً- أَوْ: وَاحِدًا مِنْهُمَا- اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا يَصُدُّنِي عَنْهَا، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلَائِكَةً يَحْرُسُونَهَا)).
الصفحة 314