كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 8)

الله عز وجل، ثم تأتي ريح باردة من قبل الشام فتقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات، حتى لو كان أحدهم في كبد جبل لدخلته عليه، وفي اللفظ الآخر: ((إِنَّ اللهَ يَبْعَثُ رِيحًا مِنَ الْيَمَنِ)) (¬١)، فيحتمل أنهما ريحان تجتمعان، أو أنها ريح واحدة تأتي من قبل الشام، ثم تعتدل.
وهذه الريح تكون بعد أشراط الساعة لدلالة الأحاديث على أنها متأخرة.
وقوله: ((فِي خِفَّةِ الطَّيْرِ))، أي: في سرعتهم إلى الشر، والفساد، ((وَأَحْلَامِ السِّبَاعِ))، أي: في أخلاقهم، وطباعهم من الظلم، والبغي، والعدوان.
وقوله: ((دَارٌّ رِزْقُهُمْ، حَسَنٌ عَيْشُهُمْ)): فيه: سعة حِلم الله وإمهاله لهم، وأنه سبحانه يمهل ولا يهمل.
وفيه: أنه لا أحد أصبر من الله تعالى، كما في الحديث: ((لَا أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى يَسْمَعُهُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِنَّهُ يُشْرَكُ بِهِ، وَيُجْعَلُ لَهُ الْوَلَدُ، ثُمَّ هُوَ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ)) (¬٢)؛ لذلك فإنه سبحانه يمهل الكفرة مع كفرهم وعنادهم.
ثم يتمثل لهم الشيطان- وهم على هذه الحالة-، ((فَيَقُولُ: أَلَا تَسْتَجِيبُونَ؟ فَيَقُولُونَ: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَيَأْمُرُهُمْ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ))، فيعبدونها استجابة له- نعوذ بالله من ذلك.
وقوله: ((ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، فَلَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلَّا أَصْغَى لِيتًا، وَرَفَعَ لِيتًا)): هذا عند قيام الساعة، يأمر الله تعالى إسرافيل عليه السلام فينفخ في الصور نفخة الفزع، حتى يموت الناس، ثم ينفخ فيه النفخة الأخرى، كما قال الله تعالى: {ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيامٌ ينظرون}، وفي النمل: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} [النمل: ٨٧]، فيصغى بصفحة العنق.
---------------
(¬١) أخرجه مسلم (١١٧).
(¬٢) أخرجه البخاري (٧٣٧٨)، ومسلم (٢٨٠٤).

الصفحة 348