كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 8)

عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: ((فَيَأْتِي سِبْخَةَ الْجُرُفِ فَيَضْرِبُ رِوَاقَهُ))، وَقَالَ: ((فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ كُلُّ مُنَافِقٍ وَمُنَافِقَةٍ)).
قوله: ((فَانْتَقَلْتُ إِلَيْهِ)): فيه: أن الأعمى لا يجب احتجاب المرأة منه، ويدل له- أيضًا- الحديث الصحيح: ((إِنَّمَا جُعِلَ الاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ البَصَرِ)) (¬١)، وأما حديث: ((أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا؟ أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ؟ )) (¬٢)، فهو حديث ضعيف؛ لأنه من رواية نبهان- مولى أم سلمة- وهو مقبول حيث يتابَع، وإلا فهو لين الحديث (¬٣).
وهذه الأحديث فيها: بيان فتنة الدجال، وخطره على الدين، وأنه ما من بلد إلا سيدخله الدجال إلا مكة والمدينة.
وقوله: ((فَيَنْزِلُ بِالسِّبْخَةِ)): وهي أرض مالحة، فيأتي سبخة الجرف قرب المدينة.
وقوله: ((فَيَضْرِبُ رِوَاقَهُ))، أي: ينزل هناك بثقله، ويحتمل أنه تُبنى له الخيمة هناك، ويجلس مدة، وجاء في الحديث الآخر: ((فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ كُلُّ مُنَافِقٍ وَمُنَافِقَةٍ)).
وقوله: ((وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ )): سميت جساسة؛ لأنها تجسُّ الأخبار للدجال.
واستشكل في حديث الجساسة أن الدجال موجود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي حديث ابن صياد أنه قال: ((إِنِّي لَأَعْلَمُ مَوْلِدَهُ وَمَكَانَهُ وَأَيْنَ هُوَ)) (¬٤)، وقال في الحديث الآخر: ((أَمَا- واللهِ- إِنِّي لَأَعْلَمُ الآنَ حَيْثُ هُوَ، وَأَعْرِفُ أَبَاهُ
---------------
(¬١) أخرجه البخاري (٦٢٤١).
(¬٢) أخرجه أحمد (٢٦٥٣٧)، وأبو داود (٤١١٢)، والترمذي (٢٧٧٨).
(¬٣) تقريب التهذيب، لابن حجر (ص ٥٥٩).
(¬٤) أخرجه مسلم (٢٩٢٧).

الصفحة 357