كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 8)

قوله: ((كَنَفَتَهُ)): قال النووي رحمه الله: ((وفي بعض النسخ: ((كَنَفَتَيْهِ))، ومعنى الأول: جانبه، والثاني: جانبيه)) (¬١).
وقوله: ((بِجَدْيٍ أَسَكَّ)): الجدي هو: التيس الصغير، والأسك: يطلق على ملتصق الأذنين، وعلى فاقدهما، وعلى مقطوعهما، وعلى الأصم الذي لا يسمع، والمراد ههنا: صغير الأذنين (¬٢).
وفي هذا الحديث: بيان هوان الدنيا على الله عز وجل، وأنها لا تساوي شيئًا عنده.
وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أراهم أمرًا عمليًّا؛ ليبين لهم هوان الدنيا على الله تعالى، فلما مر ((بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ)) أخذ بأذن الجدي، وقال: ((أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ لَهُ هَذَا بِدِرْهَمٍ؟ ))، أي: أيكم يحب أن يشتريه بدرهم وهو صغير الأذنين وميت؟ قالوا: ((وَاللَّهِ لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ عَيْبًا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَسَكُّ، فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ؟ ! فَقَالَ: فَوَاللَّهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ! ))، أي: إذا كان هذا الجدي هينًا على الناس حيًّا، وميتًا؛ لصغر أذنه، فالدنيا أهون على الله عز وجل من هذا عليكم، وجاء في الحديث الآخر: ((لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ)) (¬٣).
---------------
(¬١) شرح مسلم، للنووي (١٨/ ٩٣).
(¬٢) القاموس المحيط، للفيروز آبادي (١/ ٩٤٣)، النهاية، لابن الأثير (٢/ ٣٨٤).
(¬٣) أخرجه الترمذي (٢٣٢٠)، وابن ماجه (٤١١٠).

الصفحة 375