كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 8)

توصلني إلى بلدي، أعطني بعيرًا يوصلني إلى بلدي، وسأله بالله وذكَّره بحالته، فقال له: ((أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ، وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ، وَالْمَالَ بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي)).
وقوله: ((أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ)): فيه: جواز السؤال بالله تعالى، وقد جاء في الحديث: ((وَمَنْ سَأَلَ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ)) (¬١).
وقوله: ((فَلَا بَلَاغَ لِي الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ بِكَ)): فيه: أن عطْف المخلوق على الخالق يكون بـ ((ثُمَّ)) لا بالواو، فلا يقال: لا بلاغ لي اليوم إلا بالله وبك؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لَا تَقُولُوا: مَا شَاءَ اللهُ، وَشَاءَ فُلَانٌ، قُولُوا: مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ شَاءَ فُلَانٌ)) (¬٢)؛ لأن الواو تقتضي التشريك بين المعطوف والمعطوف عليه في الحكم، وأما ((ثم)) فإنها للترتيب على التراخي، فلا يأتي المعطوف إلا بعد المعطوف عليه بمهلة وتراخٍ.
وفي هذا الحديث: أن الله تعالى يبتلي بالسراء والضراء، قال تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}، أي: أن الله عز وجل يبتلي الإنسان بالخير ليختبره هل يشكر، أم يكفر؟ ويبتليه بالفقر ليختبره هل يصبر، أم يجزع؟
وفيه: أن ابتلاء الله تعالى لهم كان بإرسال الملَك إليهم، فسأل الأبرصَ: ماذا يحب؟ فـ ((قَالَ: لَوْنٌ حَسَنٌ، وَجِلْدٌ حَسَنٌ، وَيَذْهَبُ عَنِّي الَّذِي قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قَالَ: فَمَسَحَهُ، فَذَهَبَ عَنْهُ قَذَرُهُ))، فصار جلده سليمًا، فسأله فـ ((قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْإِبِلُ- أَوَ قَالَ: الْبَقَرُ))، ((فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ، فَقَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا)): والعُشَرَاء: هي الحامل القريبة الولادة.
والثاني: أتاه الملَك فقال له: ((أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: شَعَرٌ حَسَنٌ، وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا الَّذِي قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ))، أي: تذهب عني هذه العاهة، ((قَالَ:
---------------
(¬١) أخرجه أحمد (٥٣٦٥)، وأبو داود (١٦٧٢)، والنسائي (٢٥٦٧).
(¬٢) أخرجه أحمد (٢٣٢٦٥)، وأبو داود (٤٩٨٠).

الصفحة 385