كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 8)

فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ))، أي: قَذَرُهُ ((وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا))، أي: أنبت الله له شعرًا حسنًا، ثم سأله الملَك، فقال له: ((فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْبَقَرُ، فَأُعْطِيَ بَقَرَةً حَامِلًا، فَقَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا)).
والثالث: الأعمى جاءه الملَك ((فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: أَنْ يَرُدَّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي فَأُبْصِرَ بِهِ النَّاسَ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ، قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْغَنَمُ، فَأُعْطِيَ شَاةً وَالِدًا)).
فاستجاب الله دعاء الملَك، ومضت سنين، فنمت هذه الأموال، وكثرت، وصار للأول وادٍ من الإبل، وللثاني وادٍ من البقر، وللثالث وادٍ من الغنم، فابتلاهم الله مرة أخرى بالمال.
فجاء الملَك للأول في صورة الأبرص؛ ليذكره بحالته السابقة، وقال له: إني رجل مسكين وابن سبيل ((فَلَا بَلَاغَ لِي الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ، وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ، وَالْمَالَ بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي، فَقَالَ: الْحُقُوقُ كَثِيرَةٌ))، فإذا أعطيتك أنت، وأعطيت الثاني انتهى هذا المال، ((فَقَالَ لَهُ: كَأَنِّي أَعْرِفُكَ، أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ؟ فَقِيرًا، فَأَعْطَاكَ اللَّهُ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا وَرِثْتُ هَذَا الْمَالَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ))، أي: ورثته جدًّا عن جدٍّ، وهذا جحْدٌ لنعمة الله عليه- والعياذ بالله- فلم يعترف لله عز وجل بما به من النعمة، ولم يؤدِّ الحق الذي عليه.
وجاء للثاني: في صورة الأقرع كذلك؛ ليذكره بحالته السابقة، ((فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا، وَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَى هَذَا، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ))، ففي المرة الأول دعا لهما بالبركة في المال، وفي المرة الثانية دعا عليهما، فقال لكل منهما: ((إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا، فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ)).
وأتى الأعمى في صورته وذكَّره بحالته السابقة، فقال: ((رَجُلٌ مِسْكِينٌ، وَابْنُ سَبِيلٍ، انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلَا بَلَاغَ لِي الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ بِكَ أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي؟ ))، فاعترف الأعمى، فقال: ((قَدْ

الصفحة 386