كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 8)

وفيه: أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه تقدم إسلامه، وأنه فقه كثيرًا من الأحكام وصبر على الشدة، واللأواء.
وقوله: ((حَتَّى إِنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ كَمَا تَضَعُ الشَّاةُ))، يعني: كان البُرَازُ الذي يخرج منهم مثل ما تضع الغنم، وحصل لهم هذا من قلة الأكل.
قال المباركفوري رحمه الله: ((((ثُمَّ أَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ))، أي: ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، وكانوا متأخرين في الإسلام، ثم ارتدوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وتبعوا طليحة بن خويلد الأسدي لما ادعى النبوة، ثم قاتلهم خالد بن الوليد في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه بعد ذلك، وكانوا ممن شكا سعد بن أبي وقاص- وهو أمير الكوفة- إلى عمر حتى عزله، وكان في جملة ما شكوه: أنه لا يحسن الصلاة، وهذا الذي أشار إليه سعد رضي الله عنه بقوله: ((تُعَزِّرُنِي عَلَى الدِّينِ! )) من التعزير، أي: تؤدبني وتلومني، أو توبخني على التقصير فيه بقولهم: إني لا أحسن أصلي، ومعناه: أن سعدًا أنكر أهلية بني أسد لتعزيرهم إياه على أمر من أمور الدين؛ وذلك لسابقته، وقِدَم صحبته، وحسن بلائه في الإسلام، ((خِبْتُ إِذًا وَضَلَّ عَمَلِي))، أي: لئن كان كذلك فإني خائب، وعملي ضائع)) (¬١).
والمعنى: أنا من المتقدمين في الإسلام والسابقين إليه، وصاحبتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وصبرت على اللأواء، وعرفت الأحكام، والآن تأتي قبيلة من الجفاة يعلمونني الأحكام ويؤدبونني؟ ! لقد خبتُ إذًا، وضل سعيي إذا لم أكن قد عرفت الإسلام والدين في هذه المدة الطويلة، وهذا إنكار منه رضي الله عنه عليهم! .
---------------
(¬١) منة المنعم، للمباركفوري (٤/ ٣٩٤).

الصفحة 389