كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 8)

وتجربون: من التجربة وهي الممارسة، يعني: سوف تعلمون حال الأمراء بعدنا، وترون الفرق بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين غيرهم، ففرق كبير بين من يقبل الإمارة لينشر دين الله، ويُلزم الناسَ بشرعه، وبين من يحرص على الإمارة من أجل الدنيا، والهوى والشهوات.
وقوله: ((وَإِنِّي أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ فِي نَفْسِي عَظِيمًا وَعِنْدَ اللَّهِ صَغِيرًا))، يعني: أعوذ بالله من أن أكون عند الله حقيرًا بسبب سوء عملي، وأكون في نفسي عظيمًا؛ لأن هذا من العُجب، وهو من أعمال القلوب الخبيثة، ومن كبائر الذنوب؛ لهذا استعاذ منه رضي الله عنه.
وقوله: ((وَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ نُبُوَّةٌ قَطُّ إِلَّا تَنَاسَخَتْ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَاقِبَتِهَا مُلْكًا)): تناسخت، يعني: ذهبت وانتهت، كما تنسخ الشمسُ الظلَّ، فإنه لما انتهت النبوة أعقبتها خلافة راشدة على منهاج النبوة، قال عليه الصلاة والسلام: ((خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ أَوْ مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ)) (¬١)، فكان أول ملوك الإسلام معاوية بن أبي سفيان الصحابي الجليل رضي الله عنه، ثم ستكون- أيضًا- في آخر الزمان خلافة المهدي، وهو رجل صالح من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم يملأ الأرض عدلًا، كما مُلئت جورًا وظلمًا.
وفي هذا الحديث: مشروعية حمد الله، والثناء عليه قبل الخطبة، والشهادة لله تعالى بالوحدانية، وللنبي عليه أفضل الصلاة والسلام بالرسالة، ثم بعد ذلك تكون الخطبة.
---------------
(¬١) أخرجه أحمد (٢١٩١٩)، وأبو داود (٤٦٤٦)، والترمذي (٢٢٢٦).

الصفحة 392