كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 8)

شَاهِدًا مِنِّي، قَالَ: فَيَقُولُ: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا، وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا، قَالَ: فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، فَيُقَالُ لِأَرْكَانِهِ: انْطِقِي، قَالَ: فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ، قَالَ: ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلَامِ، قَالَ: فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا، فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ)).
في هذه الأحاديث: إثبات رؤية الله عز وجل، وأن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة بأبصارهم.
وفيها: التصريح بأن الرؤية بالأبصار؛ ولهذا ((قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ فِي الظَّهِيرَةِ لَيْسَتْ فِي سَحَابَةٍ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ فِي سَحَابَةٍ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ، إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا)).
وفيها: الرد على الجهمية، والمعتزلة الذين أنكروا رؤية الله عز وجل.
والمعتزلة: فسروا الرؤية بالعلم (¬١)، فقالوا: إن الرؤية في الحديث مثل الرؤية في قوله تعالى: {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل}، أي: ألم تعلم، وهذا تأويل فاسد؛ لأن الرؤية تأتي بمعنى العلم، وتأتي بمعنى الرؤية بالبصر، لكن لا بد من قرينة توضح ذلك.
أما الأشاعرة: فأثبتوا الرؤية، لكن أنكروا الجهة، وقالوا بأن الله يرى لا في جهة (¬٢)، أرادوا بهذا أن يكونوا مع أهل السنة من جهة كونه سبحانه وتعالى يُرى، لكنهم نفوا الجهة حتى يكونوا مع المعتزلة، فصاروا مذبذبين، لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء، فعجزوا عن ذلك، فلجؤوا إلى حجج السفسطائية.
وقولهم: يُرى لا في جهة، لا فوق ولا تحت، ولا أمام ولا خلف، ولا يمين ولا شمال، هذا غير معقول وغير متصوَّر؛ ولهذا أنكر عليهم جماهير
---------------
(¬١) الأربعين في أصول الدين، للرازي (ص ١٩٨).
(¬٢) منهاج السنة النبوية، لابن تيمية (٢/ ٣٢٦).

الصفحة 394