كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 8)

العقلاء، وسخروا من قولهم، وقالوا: إن إثبات الرؤية من دون مقابلة لا معنى له، بل هو باطل عند جميع العقلاء.
وقوله: ((فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ، إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا)): لا تضارون، أي: لا يصيبكم ضرر، وفي اللفظ الآخر: ((لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ)) (¬١)، أي: لا يصيبكم ضَيْم، وهو: الظُّلم أَو الإِذلال.
وقوله: ((أَيْ فُلْ)): نداء، أي: يا فلان، وهو ترخيم على غير قياس، والترخيم: حذف أواخر الأسماء المفردة تخفيفًا، ولا يكون إلا في النداء (¬٢)، مثل قول امرئ القيس:
أَفَاطِمُ مَهْلًا بَعْض هَذَا التَّدَلُّلِ ... وإِنْ كُنْتِ قَدْ أَزْمَعْتِ صَرْمِي فَأَجْمِلِي (¬٣)
ومثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يَا عَائِشُ)) (¬٤)، يعني: يا عائشة.
وقال بعضهم: إنها لغة في ((فلان)).
وفيها: دليل على أن الله تعالى يخاطب الإنسان بدون واسطة، ويدل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم- في الحديث الآخر-: ((مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، وَلا حِجَابٌ يَحْجُبُهُ)) (¬٥).
وقوله: ((أَلَمْ أُكْرِمْكَ، وَأُسَوِّدْكَ؟ ))، أي: أجعلك سيدًا على غيرك.
وقوله: ((وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ )): ترأس، أي: تصير رئيسَ القوم وكبيرَهم، وتربع معناه: تأخذ المرباع، وهو ربع المال الذي كانت تأخذه ملوك الجاهلية من الغنيمة، وروي: ((تَرْتَع)) (¬٦)، أي: تتنعم.
---------------
(¬١) أخرجه البخاري (٥٥٤)، ومسلم (٦٣٣).
(¬٢) الكتاب، لسيبويه (٢/ ٢٣٩).
(¬٣) ديوان امرئ القيس (ص ٣٢).
(¬٤) أخرجه البخاري (٦٢٠١)، ومسلم (٢٤٤٧).
(¬٥) أخرجه البخاري (٧٤٤٣)، ومسلم (١٠١٦).
(¬٦) إكمال المعلم، للقاضي عياض (٨/ ٥٢٠).

الصفحة 395