كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 8)

[٢٩٧٥] حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا فِي رَفِّي مِنْ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَطْرُ شَعِيرٍ فِي رَفٍّ لِي، فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ، فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ.
[خ: ٥٣٨٣]
في هذا الحديث: أن عائشة رضي الله عنها كانت تأكل من شطر الشعير الذي تركه لها النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تعلم أن الله قد أنزل فيه البركة، فلما طال بها الأمد ولم ينفذ كالته لتعرف كم بقي، فلما كالته فني، وهذا- والله أعلم- كأنها لما تركته واثقة بالله عز وجل متوكلة عليه أنزل الله فيه البركة، فلما كالته وصارت تنظر هل بقي ما يكفينا رُفعت البركة ففني سريعًا.
قال القاضي عياض رحمه الله: ((وفي هذا: أنَّ البركة أكثر ما توجد في المجهولات والمبهمات، وأما ما حُصر بالعدد أو بالكيل فمعروف قدره، ولا يعارض هذا الكيل في إخراج النفقة؛ لما جاء: ((كِيلُوا طَعَامَكُمْ يُبَارَكْ لَكُمْ)) (¬١)، إذا بقي الأصل مجهولًا، بل في كيل ما يخرج البركة فى الباقي وحسن النظر، والإخراج عن الحزر والجزاف بسبب التبذير، وإخراج أكثر من الحاجة، وليس ذلك من تدبير المعيشة التي هي أحد اليسارين، وهذا معنى الحديث الآخر، ولا تعارض بينهما)) (¬٢).
---------------
(¬١) أخرجه البخاري (٢١٢٨).
(¬٢) إكمال المعلم، للقاضي العياض (٨/ ٥٢٥).

الصفحة 401