كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 8)

قوله: ((مِنْ بِئَارِهَا)): هذا هو أصل الكلمة قبل القلب المكاني، أي: بتقديم الهمزة على الباء، ويجوز: ((مِنْ آبَارِهَا)): على القلب، كما في الرواية الأخرى.
وفي هذه الأحاديث: دليل على تحريم دخول مساكن ثمود المعذَّبين إلا أن يكون الداخل باكيًا؛ لئلا يصيبه ما أصابهم، وكذلك جميع ديار المعذَّبين؛ ولذلك لما دفع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من مزدلفة إلى مِنًى، وأتى قرب مِنًى أسرع في رمية حجر، فقيل: كان سبب إسراعه أن هذا المكان هو الذي عُذِّب فيه أصحاب الفيل، وقيل: ليس هذا المكان، وإنما مكان آخر.
وفيها: أنهم لما استقوا من آبار ديار ثمود وعجنوا من مائها الدقيق أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يريقوا الماء، وأن يعلفوا العجين للإبل، وهذا يدل على أنه لا يجوز الاستقاء من مائها ولا الطبخ، ولا العجن به.
مسألة: إذا توضأ من ماء آبار ديار ثمود وصلى في أرضها، فما حكم الوضوء، والصلاة؟
اختلف العلماء في حكمهما على قولين:
الأول: للجمهور، وهو أنه إذا توضأ من ماء ديار ثمود وصلى في أرضها صح الوضوء والصلاة مع الإثم (¬١)؛ لأن الوضوء اجتمع فيه مُوجِب الثواب ومُوجِب العقاب، فهو مثاب على الوضوء، وآثم لكونه توضأ من ماء منهي عن الوضوء به، وكذلك إذا صلى فيها فهو مثاب على الصلاة، وآثم؛ لكونه صلى في أرض منهي عن الصلاة فيها، وهذا كما لو صلى في أرض مغصوبة، أو توضأ بماء مغصوب، فالنهي ليس لذات المنهي عنه، وإنما هو لمعنى خارج عن المنهي عنه.
الثاني: أن الصلاة باطلة، والوضوء لا يصح، وهذا هو مشهور مذهب
---------------
(¬١) حاشية الدر المختار، لابن عابدين (١/ ١٣١ - ١٣٣)، النجم الوهاج، للدميري (١/ ٢٣٣).

الصفحة 410