كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 8)

لَقَدْ كَلَّمْتُهُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، مَا دُونَ أَنْ أَفْتَتِحَ أَمْرًا لَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ))، أي: لقد نصحته بيني وبينه، ولا أريد أن أكون أول من يفتح باب شر على المسلمين.
وفيه: دليل على أنه لا يخرج على ولاة الأمور بالمعاصي، وإنما الواجب الصبر على جورهم وظلمهم، كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً)) (¬١)، والخروج على الولاة بالمعاصي هو مذهب الخوارج، والمعتزلة، والرافضة.
وفيه: دليل على أن الأمير قد يقول شيئًا، ويفعل خلافه؛ ولهذا قال: ((وَلَا أَقُولُ لِأَحَدٍ- يَكُونُ عَلَيَّ أَمِيرًا-: إِنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ، بَعْدَ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ))، أي: أمعاؤه- والعياذ بالله- ((فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى، فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ، فَيَقُولُونَ: يَا فُلَانُ، مَا لَكَ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ؟ ! فَيَقُولُ: بَلَى، قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ وَآتِيهِ! )).
وفيه: دليل على أن أهل النار يسأل بعضهم بعضًا مع ما هم فيه من الشر والبلاء والعذاب.
وفيه: دليل على أنه لا يجوز للإنسان أن يأمر بالمعروف ولا يفعله، وينهى عن المنكر ويفعله، بل يجب عليه إذا أمر بالمعروف أن يكون أولَ من يفعله، وإذا نهى عن المنكر أن يكون أولَ من ينتهي عنه.
وفيه: أن كون الإنسان يأمر بالمعروف ولا يأتيه، وينهى عن المنكر ويأتيه من أسباب دخول النار، وقد نعى الله على اليهود كونَهم يأمرون بالخير ولا يفعلونه بأنفسهم، فقال تعالى: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون
---------------
(¬١) أخرجه البخاري (٧٠٥٤)، ومسلم (١٨٤٩).

الصفحة 423