كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 8)

في هذه الأحاديث: دليل على مشروعية تشميت العاطس إذا حمد الله، وأنه إذا لم يحمد الله فلا يشمَّت؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ هَذَا حَمِدَ اللَّهَ، وَإِنَّكَ لَمْ تَحْمَدِ اللَّهَ)).
وفيها: دليل على أن من لم يحمد الله إذا عطس فلا يشمَّت؛ تعزيرًا له، ولعله يسأل فيستفيد بسبب ذلك.
وقد اختلف العلماء فى حكم تشميت العاطس- بعد إجماعهم على أن تشميته إذا حمد الله مشروع (¬١) - على ثلاثة أقوال:
الأول: ذهبت بعض الظاهرية إلى أن تشميت العاطس فرض-كما نقل ذلك ابن عابدين- على كل من يسمع حمده (¬٢)، وذكره ابن الْمُزَيِّن من المالكية (¬٣)، ويقال: إن أبا داود صاحب السنن يرى هذا القول؛ ولهذا لما سمع رجلًا عطس، وهو في الساحل قُرب البحر، وحمد الله، ذهب واستأجر قاربًا، وركب حتى وصل إليه وشمَّته (¬٤)، فدل على أنه يرى أن تشميت العاطس واجب.
الثاني: أنه مستحب (¬٥).
الثالث: أن تشميت العاطس فرض كفاية، كردِّ السلام، فإذا شمته البعض كفى (¬٦) وسقط عن الباقين، وإلى هذا ذهب الإمام مالك رحمه الله في المشهور عنه (¬٧)، وهو الراجح، كرد السلام.
---------------
(¬١) الإقناع، لابن القطان (٢/ ٣٠٨ - ٣٠٩).
(¬٢) حاشية ابن عابدين، لابن عابدين (٦/ ٤١٤).
(¬٣) إكمال المعلم، للقاضي عياض (٨/ ٥٤١)، الأذكار للنووي، للنووي (ص ٢٧١)، زاد المعاد، لابن القيم (٢/ ٣٩٧).
(¬٤) فتح الباري، لابن حجر (١٠/ ٦١٠).
(¬٥) فتح الباري، لابن حجر (١٠/ ٦٠٣).
(¬٦) الأذكار، للنووي (ص ٢٧١).
(¬٧) الشرح الصغير، للدردير (٤/ ٧٦٤).

الصفحة 428