كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 8)

وقوله: ((فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلَانًا وَاللَّهُ حَسِيبُهُ، وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا أَحْسِبُهُ)): هذا الأمر ليس للوجوب، بل هو للاستحباب، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مدح أبا بكر رضي الله عنه، وعمر رضي الله عنه، وعثمان رضي الله عنه لم يقل لواحد منهم: أحسبه والله حسيبه؛ فدل على أن هذا الأمر للاستحباب.
وقوله: ((قَامَ رَجُلٌ يُثْنِي عَلَى أَمِيرٍ مِنَ الْأُمَرَاءِ، فَجَعَلَ الْمِقْدَادُ يَحْثِي عَلَيْهِ التُّرَابَ، وَقَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَحْثِيَ فِي وُجُوهِ الْمَدَّاحِينَ التُّرَابَ)): هذا الحديث حمله بعضهم على ظاهره، وأنه يُحثَى على وجه المادح التراب.
وبعضهم: تأوله، بأن المعنى: خيِّبوهم، فلا تعطوهم شيئًا لمدحهم.
وقال بعضهم: إذا مُدحتم فاذكروا أنكم من تراب، فتواضعوا، ولا تعجبوا بأنفسكم، وهذا ضعيف.
والصواب: القول الأول؛ أنه على ظاهره، وأنه يُحثى في وجه المادح التراب، ولكن هذا الحَثْيَ ليس للوجوب، بل للاستحباب، والدليل على أنه للاستحباب: قوله صلى الله عليه وسلم: ((وَيْحَكَ! قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ- مِرَارًا))، فقال: قطعت عنق الرجل، ولم يَحْث في وجهه الترابَ، فدل على أن حَثْيَ التراب في وجه المادح للاستحباب؛ لأن فيه اللوم والتوبيخ، ولكن هذا إذا لم يترتب عليه مفسدة، وهذا الأخير مأخوذ من نصوص أخرى، ومن قواعد الشريعة، أما إذا كان يترتب على هذا الفعل شر فلا يُحثَى على وجهه التراب، بل يُكتفَى بنصحه ووعظه.

الصفحة 441