كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 8)

فكل هذا يدل على جواز الكتابة، وأن النهي منسوخ.
وقيل: إن النهي محمول على من يثق بضبطه وحفظه، وأما من كان حفظه ضعيفًا ولا يثق بحفظه فله أن يكتب.
وقيل: إن النهي عن الكتابة في صحيفة واحدة مع القرآن، أما إذا كان القران في صحيفة، والحديث في صحيفة أخرى فلا بأس.
والقول بإن النهي كان خشية أن يلتبس القرآن بالحديث، ثم بعد ذلك رَخَّص النبي صلى الله عليه وسلم بالكتابة هو الصواب.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((وَحَدِّثُوا عَنِّي، وَلَا حَرَجَ)): فيه: إباحة الحديث عنه، وتبليغ ما سمع منه، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا حَرَجَ)) (¬١) فإنه يعني: في الأمور التي لا تخالف الشرع، أما ما يخالف شرعنا فهذا لا يُحدَّث به عنهم.
وقوله: ((وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ- قَالَ هَمَّامٌ: أَحْسِبُهُ قَالَ: مُتَعَمِّدًا- فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)): فيه: وعيد شديد على من يتعمد الكذب، وأنه من كبائر الذنوب، بل بالغ بعضهم فقال: إن من تعمد الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم صار مرتدًّا (¬٢)، والمشهور عند العلماء: أن الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم من كبائر الذنوب العظيمة.
---------------
(¬١) أخرجه البخاري (٣٤٦١).
(¬٢) الصارم المسلول، لابن تيمية (ص ١٧١)، فتح الباري، لابن حجر (١/ ٢٠٢).

الصفحة 446