كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 8)

الْآيَةَ: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، هَذَا لَهُ خَاصَّةً؟ قَالَ: ((بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً)).
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يُحَدِّثُ عَنْ خَالِهِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي الْأَحْوَصِ، وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: فَقَالَ مُعَاذٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا لِهَذَا خَاصَّةً، أَوْ لَنَا عَامَّةً؟ قَالَ: ((بَلْ لَكُمْ عَامَّةً)).
في هذه الأحاديث: أن القبلة من الصغائر؛ ولهذا كُفِّرتْ بالصلاة، فالصغائر تُكفَّر باجتناب الكبائر وبفعل الفرائض، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ)) (¬١).
وفيه: أن هذا الحكم للناس كافة، وهو أن الحسنات يذهبن السيئات، والحسنات هي الفرائض تُذهب الصغائر، وتقضي عليها، مثل ما حصل لهذا الرجل، وقد جاء في الحديث: ((فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ، يُكَفِّرُهَا الصِّيَامُ، وَالصَّلَاةُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَر)) (¬٢).
وفيه: أنه هذا الرجل نزع وتاب، فتكون الحسنات تشمل التوبة وتشمل الصلاة.
وفي سكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الرجل: دليل على أنه يجب على الإنسان أن يستتر بستر الله، وإذا فعل معصية يتوب بينه وبين الله، ولا يخبر بذلك
---------------
(¬١) أخرجه مسلم (٢٣٣).
(¬٢) أخرجه البخاري (٥٢٥)، ومسلم (١٤٤).

الصفحة 45