كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 8)

له: ((إِنَّكَ سَتُبْتَلَى، فَإِنِ ابْتُلِيتَ فَلَا تَدُلَّ عَلَيَّ))، وقد عرف الراهب هذا؛ لأن الله تعالى لا بد أن يمحص المؤمن ويبتليه لحكمته، وقد قال تعالى: {ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين} [؟ ؟ : ؟ ؟ ]، فيبتلى صاحب الدين أولَ أمره، فإذا نجح في الامتحان وصبر كانت له العاقبة.
وقوله: ((وَكَانَ الْغُلَامُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ، وَيُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الْأَدْوَاءِ)): هذه كرامة من كرامات الأولياء، وأول الكرامات: أنه قتل الدابة، والثانية: أنه صار يبرئ الأكمه- وهو الذي يولد أعمى-، والأبرص، فيدعو الله أن يشفيهم على يديه فيشفيهم.
وفيه: إثبات الكرامات للأولياء، ولهذا أمثله كثيرة، ومن ذلك: ما حصل لمريم عليها السلام من الكرامات، فقد كانت تأتيها فاكهة الشتاء في زمن الصيف، وفاكهة الصيف في زمن الشتاء (¬١).
وكما حصل لخبيب رضي الله عنه لما أرادوا قتله وجدوا عنده قطفًا من العنب يأكل منه، حتى قيل فيه: ((وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، وَاللَّهِ لَقَدْ وَجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ فِي يَدِهِ، وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الحَدِيدِ، وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرٍ)) (¬٢).
وقوله: ((فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ، فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ، فَقَالَ: مَا هَا هُنَا لَكَ أَجْمَعُ إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي، فَقَالَ: إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا، إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ، فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللَّهِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكَ، فَآمَنَ بِاللَّهِ فَشَفَاهُ اللَّهُ))، يعني: أن هذا الأعمى كان كافرًا، وكان يجلس عند الملك، فلما سمع أن هذا الغلام يبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله جاء إليه بهدايا كثيرة، وقال له: هذه الهدايا كلها لك إن شفيتني، فقال له الغلام: أنا لا أشفي؛ وإنما الشافي هو الله سبحانه وتعالى، فإن آمنتَ بالله دعوتُ الله لك فشفاك، فآمن الأعمى، فدعى الله له فشفاه.
---------------
(¬١) تفسير ابن جرير (٥/ ٣٥٩).
(¬٢) أخرجه البخاري (٣٠٤٥).

الصفحة 450