كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 8)

كِنَانَتِهِ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبْدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ ثُمَّ رَمَاهُ، فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغِهِ فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ، فَمَاتَ))، فعلم الناس حينها أن الملك لم يستطع قتله إلا بالاستعانة بربِّ الغلام، وهذا الذي كان يريده الغلام، فقالوا جميعًا: ((آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ)).
وقوله: ((فَأُتِيَ الْمَلِكُ، فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ، قَدْ- وَاللَّهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ-، قَدْ آمَنَ النَّاسُ، فَأَمَرَ بِالْأُخْدُودِ فِي أَفْوَاهِ السِّكَكِ، فَخُدَّتْ))، أي: جيء للملك، وقيل له: هذا الذي كنت تخاف منه قد حصل، وهو إيمان الناس؛ حيث خدعك الغلام، فقال لك: اجمع الناس في صعيد واحد، وقل: بسم الله ربِّ الغلام، فستقتلني، ففعلتَ، فآمن الناس!
وقوله: ((وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ، وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ، فَأَحْمُوهُ فِيهَا أَوْ قِيلَ لَهُ: اقْتَحِمْ))، أي: أمر الملك بأن تُشقَّ الأرض، وتُحفر، وتُضرم فيها النيران، ثم يُقذف فيها من لم يرجع عن دينه، وهذا ابتلاء وامتحان لهؤلاء الناس الذين آمنوا بربِّ الغلام.
وقوله: ((فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا، فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا، فَقَالَ لَهَا الْغُلَامُ: يَا أُمَّهْ، اصْبِرِي؛ فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ)): فيه: أن الله عز وجل أنطق هذا الغلام وهو في المهد، فقال لأمه: ((يَا أُمَّهْ، اصْبِرِي؛ فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ)): وهذا من الغلمان الذين تكلموا وهم في المهد.
وهؤلاء القوم هم أصحاب الأخدود الذين ذكر الله عز وجل حالهم، فقال تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [؟ ؟ : ؟ ؟ ].
وفي هذا الحديث: أنه كان في شرع مَن قبلنا عدمُ جواز التكلم بكلمة الكفر، ولو أكره عليها، بأن عُذِّب، أو هُدِّد بالقتل، أو بالسجن؛ ولهذا فإن الراهب قُتل

الصفحة 452