كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 8)

هَاتَيْنِ، وَسَمْعُ أُذُنَيَّ هَاتَيْنِ، وَوَعَاهُ قَلْبِي هَذَا- وَأَشَارَ إِلَى مَنَاطِ قَلْبِهِ- رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: ((أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ))، وَكَانَ أَنْ أَعْطَيْتُهُ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ حَسَنَاتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
في هذا الحديث والأحاديث التي بعده: الحرص على طلب العلم، وأنه ينبغي للمسلم أن ينتهز الفرصة ما دام أهل العلم موجودين؛ ولهذا قال رضي الله عنه: ((خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي نَطْلُبُ الْعِلْمَ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنْ الْأَنْصَارِ قَبْلَ أَنْ يَهْلِكُوا))، يعني: قبل أن يموتوا، ويذهب العلم بموتهم؛ لأن ذهاب العلم يكون بذهاب العلماء، كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)) (¬١).
وقوله: ((فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ لَقِينَا أَبَا الْيَسَرِ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم)): أبو اليسر- بفتح المثناة التحتية وفتح السين المهملة- صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، ((وَمَعَهُ غُلَامٌ))، أي: عبد مملوك.
وقوله: ((مَعَهُ ضِمَامَةٌ))، أي: رزمة من صحف.
وقوله: ((وَعَلَى أَبِي الْيَسَرِ بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِيَّ، وَعَلَى غُلَامِهِ بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِيَّ)): البردة: شملة مخططة، وقيل: كساء مربع فيه صغر يلبسه الأعراب، والمعافري: بفتح الميم نسبة إلى بلدة في اليمن، تأتي منها الثياب المعافرية، وهذا فيه: أنه ساواه بنفسه، فألبسه مما يلبس.
وقوله رضي الله عنه: ((فَقَالَ لَهُ أَبِي))، يعني: الوليد.
وقوله: ((يَا عَمِّ، إِنِّي أَرَى فِي وَجْهِكَ سَفْعَةً مِنْ غَضَبٍ؟ ))، أي: أرى تغيُّرًا على
---------------
(¬١) أخرجه البخاري (١٠٠)، ومسلم (٢٦٧٣).

الصفحة 456