كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 8)

وهذا من باب الاستحباب عند أهل العلم، فلا يجب على الإنسان أن يسوي عبده بنفسه في الأكل واللباس، وإنما يطعمه مما يأكل، ويلبسه مما يلبس؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ، وَلَا يُكَلَّفُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا يُطِيقُ)) (¬١)، ولكن لا يجب عليه أن يطعمه مما يأكل من الطعام الفاضل الذي يأكله، أو اللباس الفاضل الذي يلبسه.
وإطعام العبيد على ثلاث أحوال:
الأولى: أن يطعم الرقيق مما يأكل طعامًا فاضلًا، ويلبسه مما يلبس لباسًا فاضلًا، كما فعل أبو اليسر رضي الله عنه، وأبو ذر رضي الله عنه، وهذا هو الأفضل والأكمل والمستحب. قال النووي رحمه الله: ((لو قتَّر السيد على نفسه تقتيرًا خارجًا عن عادة أمثاله- إما زهدًا، وإما شُحًّا- لا يحل له التقتير على المملوك وإلزامه وموافقته إلا برضاه)) (¬٢).
الثانية: أن يطعمهم ويكسوهم مما يناسب أمثالهم، وهذا هو الواجب.
الثالثة: أن يطعم الرقيق مما تأكل البهائم، ويُكسوهم مما يلبسه الشحاذون، وهذا لا يجوز.
وقوله: ((فَمَسَحَ رَأْسِي))، يعني: أن أبا اليسر رضي الله عنه أجاب الوليد، ومسح برأسه إيناسًا له، وشكر له على ملاحظته، ودعا له بقوله: ((اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ))، وقال له: إن الذي جعلني ألبس إزارًا ورداءً ملفقًا وغلامي كذلك؛ خشية أن أفضِّل نفسي على غلامي، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ)).
وقوله: ((وَكَانَ أَنْ أَعْطَيْتُهُ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ حَسَنَاتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ)): خشي أبو اليسر رضي الله عنه إن فضَّل نفسه على غلامه أن يكون قد أخل
---------------
(¬١) أخرجه مسلم (١٦٦٢).
(¬٢) شرح مسلم، للنووي (١١/ ١٣٣).

الصفحة 460