كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 8)

وقوله: ((يَرْحَمُكَ اللَّهُ أَتُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَرِدَاؤُكَ إِلَى جَنْبِكَ؟ ))، أي: أتصلي في قطعة واحدة مع وجود غيرها؟ !
وقوله: ((فَقَالَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي هَكَذَا- وَفَرَّقَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَقَوَّسَهَا- أَرَدْتُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيَّ الْأَحْمَقُ مِثْلُكَ)): الأحمق هو: الجاهل الذي يعمل ما يضره مع علمه به، وهذا من باب التعزير، والتأديب، أي: كيف تعترض عليَّ يا أحمق، وأنا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا مما يعزَّر ويؤدَّب به المتعلم.
وجابر رضي الله عنه خاطبه بذلك؛ لأنه يعلم أن الوليد لا يتأثر بهذا، والمعلم إذا كان يَعلم أن التلميذ لا يتأثر بمثل هذا جاز له أن يخاطبه بمثله، كما فعل جابر رضي الله عنهما مع الوليد، والصحابة رضي الله عنهم كالآباء للناس، والأصل: أنه لا ينبغي للمعلم أن يقابل المتعلم بمثل هذا، ويقول له: يا أحمق؛ لأن في هذا تنفيرًا له.
وقوله: ((أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَسْجِدِنَا هَذَا، وَفِي يَدِهِ عُرْجُونُ ابْنِ طَابٍ، فَرَأَى فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ نُخَامَةً، فَحَكَّهَا بِالْعُرْجُونِ)): العرجون: هو عرجون النخل الذي يكون فيه التمر، وابْنِ طَابٍ: نوع من تمر المدينة، فلما رآى النبي صلى الله عليه وسلم النخامة في قبلة المسجد حكَّها بالعرجون الذي كان في يده.
وقوله: ((أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يُعْرِضَ اللَّهُ عَنْهُ؟ )): كررها ثلاثًا، يعني: أيكم يحب أن يعامله الله تعالى معاملة المعرِض عنه، فلا يثيبه؟ !
والإعراض من صفات الله عز وجل، وكما في الحديث عند البخاري في قصة الثلاثة نفر الذين أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: ((وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ)) (¬١).
وصفة الإعراض من الصفات المتقابلة، أي: إعراض في مقابل إعراض العبد، مثل: المكر في مقابل الماكرين، والاستهزاء مقابل المستهزئين، وهذه الصفات إنما تكون كمالًا إذا كانت من باب المجازاة، والمقابلة، ولا يوصف بها الله عز وجل استقلالًا، فلا يقال: من صفات الله: المكر، والكيد، والاستهزاء، والإعراض.
---------------
(¬١) أخرجه البخاري (٦٦)، ومسلم (٢١٧٦).

الصفحة 462