كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 8)

رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَارْتَطَمَتْ فَرَسُهُ إِلَى بَطْنِهَا أُرَى، فَقَالَ: إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمَا قَدْ دَعَوْتُمَا عَلَيَّ، فَادْعُوَا لِي، فَاللَّهُ لَكُمَا أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ، فَدَعَا اللَّهَ، فَنَجَا فَرَجَعَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا قَالَ: قَدْ كَفَيْتُكُمْ مَا هَا هُنَا، فَلَا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا رَدَّهُ، قَالَ: وَوَفَى لَنَا.
[خ: ٣٦١٥]
قوله: ((حَدِّثْنِي كَيْفَ صَنَعْتُمَا لَيْلَةَ سَرَيْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ ))، يعني: حدثني عن هجرتك مع النبي صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة فحدَّثه.
وقوله: ((أَسْرَيْنَا لَيْلَتَنَا كُلَّهَا حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ))، يعني: حتى انتصف النهار.
وقوله: ((حَتَّى رُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ طَوِيلَةٌ لَهَا ظِلٌّ لَمْ تَأْتِ عَلَيْهِ الشَّمْسُ بَعْدُ، فَنَزَلْنَا عِنْدَهَا))، يعني: ظهرت لنا صخرة في البرية، فقصدناها.
وقوله: ((فَأَتَيْتُ الصَّخْرَةَ، فَسَوَّيْتُ بِيَدِي مَكَانًا يَنَامُ فِيهِ النَّبِيُّ))، أي: قصدوا الظل، واتجهوا نحو صخرة، وفرش أبو بكر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم ((فَرْوَةً)) كانت معه، وقال له: ((نَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنَا أَنْفُضُ لَكَ مَا حَوْلَكَ))، يعني: أنظرُ ما حولنا مما يُخشى منه من عدو، أو غيره، وفي هذا: عناية أبي بكر رضي الله عنه بالنبي صلى الله عليه وسلم، فبينما هو ينظر إذ رأى راعي غنم، فراح إليه وقال له: ((لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ؟ فَقَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ)): المراد بالمدينة هنا: مكة (¬١)؛ لأن المدينة لم تكن تسمى بالمدينة في ذلك الوقت، وإنما كانت تسمى يثرب، خلافًا للقائل: إن هذا وهمٌ من بعض الرواة (¬٢).
وقوله: ((أَفِي غَنَمِكَ لَبَنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَفَتَحْلُبُ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَخَذَ شَاةً، فَقُلْتُ لَهُ: انْفُضِ الضَّرْعَ مِنَ الشَّعَرِ وَالتُّرَابِ وَالْقَذَى- قَالَ: فَرَأَيْتُ الْبَرَاءَ يَضْرِبُ بِيَدِهِ عَلَى الْأُخْرَى يَنْفُضُ- فَحَلَبَ لِي فِي قَعْبٍ مَعَهُ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ)): في قَعْبٍ،
---------------
(¬١) إكمال المعلم، للقاضي عياض (٦/ ٤٧٦).
(¬٢) شرح مسلم، للنووي (١٨/ ١٤٨).

الصفحة 475