كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 8)

يعني: في إناء من خشب، والكُثْبة: المقدار القليل من اللبن.
وقد أورد النووي رحمه الله إشكالًا وأجاب عنه من أوجه، فقال: ((وهذا الحديث مما يسأل عنه، فيقال: كيف شربوا اللبن من الغلام، وليس هو مالكه؟ ! وجوابه من أوجه:
أحدها: أنه محمول على عادة العرب أنهم يأذنون للرعاة إذا مر بهم ضيف، أو عابر سبيل أن يسقوه اللبن ونحوه.
والثاني: أنه كان لصديق لهم يدلون عليه، وهذا جائز.
والثالث: أنه مال حربي لا أمان له، ومثل هذا جائز.
والرابع: لعلهم كانوا مضطرين، والجوابان الأولان أجود)) (¬١).
قلت: قول النووي رحمه الله: إن هذا مال حربي هذا يكون بعد شرعية الجهاد، والجهاد شُرِع بعد ذلك بمدة، والأقرب في مثل هذا: الجواب الأول، وهو: أن الرعاة كان معهم إذن عام من أسيادهم في ذلك.
وقوله: ((وَمَعِي إِدَاوَةٌ أَرْتَوِي فِيهَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِيَشْرَبَ مِنْهَا وَيَتَوَضَّأَ، قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُ مِنْ نَوْمِهِ، فَوَافَقْتُهُ اسْتَيْقَظَ))، يعني: كان أبو بكر رضي الله عنه معه سقاء من جلد يضع فيه شيئًا من الماء، ويتوضأ منه، فلما حلب هذا الغلام اللبن وكان اللبن حارًّا- لأنه في وقت شدة الحر- أخذ الصديق رضي الله عنه هذه الكثبة وصب عليها من القربة الصغيرة التي معه حتى بردت، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فوجده نائمًا، فكره أن يوقظه، ((فَوَافَقْتُهُ اسْتَيْقَظَ))، أي: في وقت استيقاظه، قال: ((فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ مِنَ الْمَاءِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ))، ولا يقال: إن صب الماء على اللبن غش؛ لأن هذا اللبن الذي أعده للنبي صلى الله عليه وسلم إنما أضاف له الماء من أجل أن يبرد، لا من أجل أن يبيعه.
وقوله: ((فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ))، أي: حتى تحققت أنه أخذ حاجته وروي،
---------------
(¬١) شرح مسلم، للنووي (١٨/ ١٤٩).

الصفحة 476