كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 8)

لِأَثَرِ يَدَيْهَا
عُثَانٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِالأَزْلامِ، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَنَادَيْتُهُمْ بِالأَمَانِ، فَوَقَفُوا، فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الحَبْسِ عَنْهُمْ، أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ، وَأَخْبَرْتُهُمْ أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الزَّادَ وَالمَتَاعَ، فَلَمْ يَرْزَآنِي، وَلَمْ يَسْأَلانِي، إِلَّا أَنْ قَالَ: أَخْفِ عَنَّا، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ أَمْنٍ، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدِيمٍ، ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم)) (¬١).
وهذا من حماية الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وصاحبه رضي الله عنه، حيث جاء سراقة بن مالك معاديًا طالبًا لهما، وفي آخر الأمر رجع مسالمًا رادًّا عنهما.
وقوله: ((كتاب أمن)) أي: كتاب موادعة ومصالحة وعلامة بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا دوعه للنبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين.
وفي هذا الحديث: هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصِّديق رضي الله عنه من مكة إلى المدينة، وذلك لما اشتد الأذى من كفار قريش على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أذن الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بالهجرة.
وفيه: إثبات الصحبة الخاصة للصديق رضي الله عنه، فالصحابة رضي الله عنهم لهم شرف الصحبة العامة، والصديق رضي الله عنه له شرف الصحبة الخاصة بالإضافة إلى الصحبة العامة.
وفيه: إثبات معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم، وهي استجابة دعائه في الحال، فحينما دعا أولًا على سراقة بن مالك ارتطمت ساق الفرس إلى بطنها في الحال، وكذلك خروج الفرس ونجاتها بعد أن أجاب الله دعاءه صلى الله عليه وسلم في الحال.
وفيه: حماية الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وأوليائه الصالحين.
وفيه: إثبات المعية لله عز وجل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)).
---------------
(¬١) أخرجه البخاري (٣٩٠٦).

الصفحة 478