كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 8)

وقوله: ((فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ لَيْلًا، فَتَنَازَعُوا أَيُّهُمْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم))، أي: تجاذبوا ذلك، وحرصوا عليه.
وقوله: ((فَقَالَ: أَنْزِلُ عَلَى بَنِي النَّجَّارِ أَخْوَالِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أُكْرِمُهُمْ))، وكان هاشم قد تزوج امرأة من بني النجار، فولدت عبد المطلب؛ فلذلك كانوا أخواله، وفيه: أن الرجل العظيم إذا نزل في بلد وله أقارب ينزل على أقاربه؛ يكرمهم بذلك.
وقوله: ((فَصَعِدَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، فَوْقَ الْبُيُوتِ وَتَفَرَّقَ الْغِلْمَانُ، وَالْخَدَمُ فِي الطُّرُقِ يُنَادُونَ: يَا مُحَمَّدُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَا مُحَمَّدُ يَا رَسُولَ اللَّهِ)): هذا خير عظيم ساقه الله عز وجل إلى أهل المدينة، فصار الغلمان ينادون، والجواري ينادين من فوق السطوح: قدم محمدٌ صلى الله عليه وسلم، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما إنشاد البيتين التاليين:
طَلَعَ البَدْرُ عَلَيْنَا ... مِنْ ثَنِيَّاتِ الوَدَاعْ
وَجَبَ الشُّكْرُ عَلَيْنَا ... مَا دَعَا للهِ دَاعْ (¬١)
فهو وهم من بعض الرواة، كما نبه على ذلك ابن القيم وقال: (لأن ثنيات الوداع إنما هي من ناحية الشام) (¬٢) وسند القصة معضل كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله (¬٣) فلعل ذلك في قدومه من تبوك.
كل ذلك فرحًا وسرورًا بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قال أنس رضي الله عنه: ((لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي قَدِمَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ أَضَاءَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ، وَقَالَ: مَا نَفَضْنَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْأَيْدِي حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا)) (¬٤).
* * *
---------------
(¬١) أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (٢/ ٥٠٦).
(¬٢) زاد المعاد (٣/ ١٠).
(¬٣) فتح الباري
(¬٤) أخرجه أحمد (١٣٨٣٠)، والترمذي (٣٦١٨)، وابن ماجه (١٦٣١).

الصفحة 481