كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 8)

قولها: ((هِيَ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا)): تُصُوِّرُ الإنسان الذي يكون وليَّ ابنةِ عمه، ليس لها ولي أقرب منه، فليس لها أب ولا أخ، فتنشأ عنده، فإذا كانت جميلة تزوجها- يعني: برضاها- وإن كانت دميمة تركها.
وقولها: ((فَيُرِيدُ وَلِيُّهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ))، أي: يريد أن يتزوجها بغير أن يعدل.
وقولها: ((وَيَبْلُغُوا بِهِنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ مِنَ الصَّدَاقِ))، يعني: أعلى مهورهن ومهور أمثالهن.
وفيه: أن الله تعالى نهاهم أن يتزوج أحدهم يتيمة بغير إذنها، فلا بد أن تأذن، واليتيمة إذنها أن تسكت؛ لحديث: ((لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلا تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ))، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: ((أَنْ تَسْكُتَ)) (¬١)، فإذا استؤذنت وسكتت فهذا إذنها، وإن تكلمت فهو أبلغ، خلافًا لابن حزم رحمه الله الذي يقول: ((وكل ثيب فإذنها في نكاحها لا يكون إلا بكلامها بما يعرف به رضاها، وكل بكر فلا يكون إذنها في نكاحها إلا بسكوتها فإن سكتت فقد أذنت ولزمها النكاح، فإن تكلمت بالرضا أو بالمنع أو غير ذلك فلا ينعقد بهذا نكاح عليها)) (¬٢)، وهذا جمود من الظاهرية، فهم يقولون: لا بد أن تسكت، أما إذا تكلمت فلا؛ لأنه خلاف الظاهر.
وفي هذا الحديث: أن عائشة رضي الله عنها فسرت هذه الآية كما فسرها النبي صلى الله عليه وسلم، وأن هذه الآية في اليتيمة في حجر وليها.
وفيه: أن تعدد الزوجات هو الأصل، وأنه يُقتصر على الواحدة عند خوف عدم العدل.
وفيه: أن من أراد أن يتزوج موليته فيجب أن يعطيها مهرها كاملًا، مثل مهر أمثالها.
---------------
(¬١) أخرجه البخاري (٥١٣٦)، ومسلم (١٤١٩).
(¬٢) المحلى، لابن حزم (٩/ ٤٧١).

الصفحة 491