كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 8)

اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقِصَاصِ، فَخَشِيتُ أَنْ تَمُوتَ، أَوْ أَمُوتَ قَبْلَ أَنْ أَسْمَعَهُ)) (¬١)، وهذا يدل على عناية العلماء بذلك؛ ولهذا لما ساق الإمام مسلم رحمه الله الأحاديث، وتذكَّر المشقة والتعب الذي حصل له في جمعه لطرق الحديث روى الأثر القائل: ((لَا يُسْتَطَاعُ الْعِلْمُ بِرَاحَةِ الْجِسْمِ)) (¬٢)؛ ليبين لطالب العلم أن العلم لا يُنال إلا بالمشقة، ولا تجد عالمًا من العلماء، أو طالبَ علم حصَّل العلم براحة الجسم، بل بالسهر والتعب، والتضحية بالملذات والشهوات.
وفيه: أن مقصود ابن عباس رضي الله عنهما من قوله: ((لَقَدْ أُنْزِلَتْ آخِرَ مَا أُنْزِلَ، ثُمَّ مَا نَسَخَهَا شَيْءٌ)): أن القاتل لا توبة له، وأنها آخر ما نزل، وهذا هو المشهور عن ابن عباس رضي الله عنه.
وفيه: أنها نزلت بعد آية الفرقان: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}.
والصواب الذي عليه جماهير الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم من العلماء: أن القاتل له توبة إذا لم يستحِلَّ القتل، وكذلك المشرك إذا تاب التوبةَ النصوح قبل الموت بشروطها فله توبة (¬٣)؛ لعموم قول الله تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم}، وقد أجمع العلماء على أنها نزلت في التائبين.
والكل يؤخذ من قوله ويُرَدُّ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن اختلف أهل العلم من الصحابة وغيرهم وجب عرض أقوالهم على الكتاب والسنة، أما إذا قال الصحابي قولًا، وليس في المسألة دليل ولا نص ولم يخالفه صحابيٌّ آخر،
---------------
(¬١) أخرجه أحمد (١٦٠٤٢).
(¬٢) أخرجه مسلم (٦١٢).
(¬٣) حاشية الدر المختار، لابن عابدين (٦/ ٥٢٩)، مغني المحتاج، للخطيب الشربيني (٥/ ٢١١)، المغني، لابن قدامة (٨/ ٢٥٩).

الصفحة 498