كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 8)

فإنه يكون حجةً على الصحيح، فإن خالفه قول صحابي آخر يُرجع إلى النصوص والقواعد الشرعية.
وأما قوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فهذه لغير التائبين؛ لأن الله تعالى خص الشرك بأنه لا يُغفر، وعلَّق ما دونه على المشيئة.
والقاتل داخل في عموم قوله تعالى: {إن الله غفور رحيم} فمن تاب تاب الله عليه.
لكن يُشترط لتوبة القاتل أداءُ ثلاثة حقوق: حق الله، وحق القتيل، وحق أولياء القتيل، فإذا أدى الحقوق الثلاثة صحت التوبة.
أما حق أولياء القتيل: فأن يسلم نفسه إليهم ليصطلح معهم، إما أن يقتلوه قصاصًا، وإما أن يدفع لهم الدية، أو أكثر منها، وإما أن يعفوا عنه دون دية، أو قود، فإذا سلَّم نفسه إليهم سقط حقهم.
وحق الله تعالى أن يتوب توبة نصوحًا، بأن يُقلع، ويندم، ويعزم عزمًا جازمًا على ألا يعود إليه، فإذا فعل سقط حق الله.
وأما حق القتيل: فإن الله تعالى يرضيه يوم القيامة بما يعطيه من الثواب والأجر العظيم فيعفو عنه.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما- أيضًا- رواية أخرى توافق رأي الجمهور، وهي: أن القاتل له توبة (¬١).
وليس معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما: أنه لا توبة له: أنه مخلد في النار كالمشرك، بل المعنى: أنه لا يُعفى عنه، لكن يعذب بقدر جريمة القتل، ثم في النهاية يدخل الجنة، هذا إذا رجحت سيئاته على حسناته، أما إذا رجحت الحسنات فإنه يسقط منها ما يقابل جريمة القتل، ولا يدخل النار،
---------------
(¬١) أخرجه ابن جرير في التفسير (٧/ ٣٤٧).

الصفحة 499