كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 8)

بخلاف الكبائر الأخرى، فإن فاعلها تحت مشيئة الله، إما أن يعفو عنه دون استنقاص شيء من حسناته، وإما أن يعذبه.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: أَمَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى أَنْ أَسْأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا}، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: لَمْ يَنْسَخْهَا شَيْءٌ، وَعَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ.
[خ: ٤٧٦٥]
حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ اللَّيْثِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ- يَعْنِي: شَيْبَانَ- عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِمَكَّةَ: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} إِلَى قَوْله: {مُهَانًا}، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: وَمَا يُغْنِي عَنَّا الْإِسْلَامُ، وَقَدْ عَدَلْنَا بِاللَّهِ، وَقَدْ قَتَلْنَا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، وَأَتَيْنَا الْفَوَاحِشَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا ... } إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: فَأَمَّا مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ وَعَقَلَهُ، ثُمَّ قَتَلَ فَلَا تَوْبَةَ لَهُ.
قوله: ((وَقَدْ عَدَلْنَا بِاللَّهِ))، يعني: أشركنا، فالمشرك يعدل بالله تعالى غيره، كما قال تعالى: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}.
وقد روي عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ: ((جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: لِمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا تَوْبَةٌ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا النَّارُ، فَلَمَّا ذَهَبَ قَالَ لَهُ جُلَسَاؤُهُ: مَا هَكَذَا كُنْتَ تُفْتِينَا، كُنْتَ تُفْتِينَا أَنَّ لِمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا تَوْبَةٌ مَقْبُولَةٌ، فَمَا بَالُ الْيَوْمِ؟ قَالَ: إِنِّي أَحْسِبُهُ رَجُلٌ

الصفحة 500