كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 8)

مُغْضَبٌ، يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا، قَالَ: فَبَعَثُوا فِي أَثَرِهِ فَوَجَدُوهُ كَذَلِكَ)) (¬١).
وجُمِع بين فتواه رضي الله عنه بأن القاتل له توبة، وفتواه بأنه ليس له توبة بأن هذا الذي قال له: لا توبة للقاتل قالها لما رآه متهيئًا للقتل، فأراد أن يزجره، والثاني جاء نادمًا تائبًا عليه علامة التوبة والذل والانكسار، فقال له: إن للقاتل توبة؛ لئلَّا يقنطه من رحمة الله تعالى.
ولا شك أن القتل جريمة عظيمة من الجرائم البشعة، وهو من أعظم الذنوب، لكن الجرائم مهما بلغت من البشاعة والفحش فإن باب التوبة مفتوح.
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى- وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ- عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَزَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَلِمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَتَلَوْتُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ... } إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: هَذِهِ آيَةٌ مَكِّيَّةٌ نَسَخَتْهَا آيَةٌ مَدَنِيَّةٌ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا}.
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ هَاشِمٍ: فَتَلَوْتُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ: {إِلا مَنْ تَابَ}.
في هذا الحديث: أن الراجح من أقوال أهل العلم في قوله تعالى: {إلا من تاب وآمن وعمل عملًا صالحًا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات}: أنها عامة في أهل الشرك وفي غيرهم، وفي القاتل، وفي كل
---------------
(¬١) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (٢٧٧٥٣).

الصفحة 501