كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 8)

ثم قال الله تعالى: {كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا}، يعني: أنتم قبل ذلك كنتم مثله مشركين، فَمَنَّ الله عليكم بالإسلام، فتبينوا، يعني: فتثبتوا، وهي هكذا في قراءة: (فتثبتوا).
وفيه: أن هذا خطأ حدث منهم اجتهادًا، مثل ما حصل لخالد بن الوليد رضي الله عنه لما جاء إلى بني جذيمة، وجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا، يريدون: أسلمنا، فجعل خالد يقتلهم، فشدد النبي صلى الله عليه وسلم عليه، ورفع يده، وقال: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ- مَرَّتَيْنِ)) (¬١)، وغرم ديتهم، ومع ذلك لم يعزله عن قيادة الجيش؛ لأنه فعل ذلك عن اجتهاد، لكن الله تعالى يؤدِّب عباده ويعاتبهم.

[٣٠٢٦] حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. ح، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ- وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى- قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولَ: كَانَتْ الْأَنْصَارُ إِذَا حَجُّوا فَرَجَعُوا لَمْ يَدْخُلُوا الْبُيُوتَ إِلَّا مِنْ ظُهُورِهَا، قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَدَخَلَ مِنْ بَابِهِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا}.
[خ: ١٨٠٣]
في هذا الحديث: أن سبب نزول هذه الآية: أن من الآصار التي كانت على الناس في الجاهلية: أنه إذا حج الواحد منهم، ثم أتى بيته لا يدخله من الباب، بل يتسلق الجدار، فأنزل الله هذه الآية؛ رفعًا للحرج والمشقة التي لحقتهم بهذه الآصار والأغلال الجاهلية.
---------------
(¬١) أخرجه البخاري (٤٣٣٩).

الصفحة 504