كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 8)

بَابٌ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ}

[٣٠٢٩] حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ- وَاللَّفْظُ لِأَبِي كُرَيْبٍ- حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ يَقُولُ لِجَارِيَةٍ لَهُ: اذْهَبِي فَابْغِينَا شَيْئًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
وَحَدَّثَنِي أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ جَارِيَةً لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ يُقَالُ لَهَا: مُسَيْكَةُ، وَأُخْرَى يُقَالُ لَهَا: أُمَيْمَةُ، فَكَانَ يُكْرِهُهُمَا عَلَى الزِّنَا، فَشَكَتَا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ ... } إِلَى قَوْلِهِ: {غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
قوله تعالى: {غَفُورٌ رَحِيمٌ}، أي: غفور رحيم للفتيات المكرَهات.
وفي هذا الحديث: أن قول الله تعالى: {إن أردن تحصنًا}: ليس قيدًا، ولا يفيد الإذن بالزنا إذا لم يُرِدْنَ تحصُّنًا، بل المراد: بيان الواقع والحال ووصف الغالب، وهذا مثل: قوله تعالى: {وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم}، ففيه بيان تحريم الربيبة التي في الحجر، وهذا ليس قيدًا، بل تحرم الربيبة ولو لم تكن في الحجر، وذُكرت لبيان الواقع، أو لبيان الأغلب، ومثله: قوله تعالى: {ومن يدع مع الله إلهًا آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه} فدعاء غير الله شرك، ولكن قول الله: {لا برهان له به} لبيان واقع المشرك، وليس يدل على أنه إذا كان عنده برهان جاز الشرك.

الصفحة 507