كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 8)

العبد يوم القيامة؛ فيضع عليه كَنَفَه؟ )) قال: هكذا نقول: يدنيه ويضع كَنَفَه عليه؛ كما قال؛ يقول له: أتعرف ذنب كذا (¬١). والستر والعفو أثر هذا الكنف، والأشعرية دائمًا يفسرون الصفة بأثرها فيفسرون الفرح بالرضا، والغضب بالعقاب، والكنف بالستر (¬٢)، وهذه من آثار الصفات، وليست هي الصفات، وأما ما نقله البخاري في خلق أفعال العباد عن ابن المباركِ قال: ((كَنَفُهُ، يَعْنِي: سِتْرَهُ)) (¬٣)، وهذا جاء في رواية ((فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وسِتْرَهُ)) (¬٤)، فهذا بيان لأثر الصفة، والمعنى: أنه تعالى يستر عبده عن رؤية الخلق له؛ لئلَّا يفتضح أمامهم فيخزى؛ لأنه حين السؤال والتقرير بذنوبه تتغير حاله، ويظهر على وجهه الخوف الشديد، ويتبين فيه الكرب والشدة.
قال النووي: ((الدنو هنا: كرامة وإحسان، لا دنو مسافة، والله سبحانه وتعالى منزه عن المسافة وقربها)) (¬٥).
وهذا باطل؛ لأن الدنو دنو حقيقي، والله أعلم بكيفيته.
وفي هذا الحديث: فضل الله تعالى على المؤمن وإحسانه إليه؛ فإن الله يخاطبه خطاب ملاطفة، ويناجيه مناجاة المصافاة والمحادثة، فيقول له: هل تعرف؟ فيقول: رب أعرف، فيقول الله- ممتنًا عليه، ومظهرًا فضله لديه-: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، أي: لم أفضحك بها فيها، وأنا أغفرها لك اليوم.
وفيه: إثبات الكلام لله عز وجل.
---------------
(¬١) بيان تلبيس الجهمية، لابن تيمية (٨/ ١٩٣).
(¬٢) أساس التقديس، للرازي (ص ٥٨)، متن الجوهرة، للقاني (ص ٧).
(¬٣) خلق أفعال العباد، للبخاري (ص ٧٨).
(¬٤) أخرجه الطبراني في الأوسط (٣٩١٥).
(¬٥) شرح مسلم، للنووي (١٧/ ٨٧).

الصفحة 55