كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 8)

كتاب الرقاق يذكر فيه المؤلف رحمه الله الأحاديث التي ترقق القلوب وتجعلها تستكين وتخضع لله عز وجل، وترغب في الأعمال الصالحة التي تقرب إلى الله.
وفي هذا الحديث: التحذير من هذه المعاصي التي تكون من أسباب دخول النار؛ ككفر النعمة، وكثرة السب واللعن.
فقد اطلع النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل النار فوجد أكثر أهلها النساء، وجاء في الحديث الآخر سبب ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: ((تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ)) (¬١)، وهو الزوج.
وفيه: أنه اطلع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجنة فرأى أكثر أهلها الفقراء، ووجد أصحاب الجد محبوسون، وهم الذين لهم حظوظ دنيوية من أهل الغنى والجاه والثروة، وقيل: هم أصحاب الولايات، وهم محبوسون للحساب على ما عندهم من الأموال، وعلى ما تولَّوا من الرياسات والولايات، أما الفقراء فظهورهم خفيفة؛ فلهذا دخلوا الجنة.
وجاء في الحديث الصحيح مرفوعًا: ((يَدْخُلُ الْفُقَرَاءُ الْجَنَّةَ قَبْلَ الأَغْنِيَاءِ بِخَمْسِمِائَةِ عَامٍ نِصْفِ يَوْمٍ)) (¬٢).
واحتج بهذا الحديث بعض أهل العلم على أن الفقر أفضل من الغنى، وعلى أن الفقير الصابر أفضل من الغني الشاكر، وليس بظاهر؛ بل الغني الشاكر أفضل؛ لأن نفعه متعدٍّ، والفقير الصابر صبره على نفسه.
وفيه: دليل على أن أكثر أهل النار من النساء، وأن أكثر من يدخل الجنة من الفقراء، لكن لا يلزم منه أن يكون الساكنون هم أكثر أهل الجنة، بل أكثر أهل الجنة- أيضًا- النساء؛ لأن الحور العين مع نساء أهل الدنيا، ولكل
---------------
(¬١) أخرج البخاري (٣٠٤).
(¬٢) أخرجه الترمذي (٢٣٥٣)، والبيهقي في الشعب (٩٨٩٧)، وأبو نعيم في الحلية (٧/ ٩١).

الصفحة 6