كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 8)

قاعِدًا عليها، فأحْرَقَتْ منها مِثلَ مَوْضِع الدِّرهم، فقال: "إذا نِمتُمْ فأطْفِئُوا سُرُجَكُم (¬١)، فإنَّ الشَّيطانَ يدُلُّ مثلَ هذه، على هذا، فتَحْرِقُكُم".
وأمّا قولُهُ في هذا الحديثِ: "وأوْكِئُوا السِّقاءَ". فالسِّقاءُ: القِربةُ وشِبهُها، والوِكاءُ: الخيطُ الذي تُشَدُّ بهِ.
فكأنَّهُ قال عليه السَّلامُ: اربُطُوا فمَ الإناءِ إذا كان مِمّا يُربَطُ مِثلُهُ، وشُدُّوهُ بالخيطِ.
وأمّا قولُهُ: "أَكْفِئُوا الإناءَ". فإنَّهُ يُريدُ: اقلِبُوهُ، وكُبُّوهُ، وحوِّلُوهُ إذا كان فارِغًا، لا تَدعُوهُ مفتُوحًا ضاحيًا، يُقالُ: كَفأتُ الإناءَ: إذا قَلبتَهُ، وهي كلِمةٌ مَهْمُوزةٌ، وأنا أكفُؤُهُ، قال ابنُ هَرْمةَ:
عِندي لهذا الزَّمانِ آنيةٌ ... أملؤُها مرَّةً وأكفُؤُها (¬٢)
وكذلك قولُهُ: "أطفِئُوا المِصباح" مهمُوزٌ أيضًا، قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} [المائدة: ٦٤].
وقال الشّاعِرُ:
بَرَزتُ في غايتي وشايَعني ... مَوْقِدُ نارِ الوَغَى ومُطفِؤُها
وقال غيرُهُ:
وعاذِلةٍ (¬٣) هبَّت (¬٤) تلُومُ ولومُها ... لِنيرانِ شَوْقي مُوقِدٌ غيرُ مُطفِئ
---------------
(¬١) في ش ٤: "سراجكم"، والمثبت يعضده ما في سنن أبي داود.
(¬٢) لم نقف عليه ولا على البيتين الآتيين.
(¬٣) في م: "وعادلة".
(¬٤) في ظا: "همّت".

الصفحة 30