كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 8)

حديثٌ سابعٌ لأبي الزُّبيرِ
مالكٌ (¬١)، عن أبي الزُّبير (¬٢)، عن أبي الطُّفيلِ عامرِ بن واثِلةَ، أنَّ مُعاذَ بن جَبَلٍ أخبرَهُ: أنَّهُم خَرجُوا مع رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في غَزْوةِ تبُوكَ، فكان رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يجمعُ بين الظُّهرِ والعَصْرِ، والمغرِبِ والعِشاءِ، قال: فأخَّرَ الصَّلاةَ يومًا، ثُمَّ خرَجَ فصلَّى الظُّهرَ والعصرَ جميعًا، ثُمَّ دخلَ، ثُمَّ خرجَ فصلَّى المغرِبَ والعِشاءَ جميعًا، ثمَّ قال: "إنَّكُم ستأتُونَ غدًا إن شاءَ الله عينَ تبُوك، وإنَّكُم لن تأتُوها، حتّى يَضْحَى النَّهارُ، فمن جاءَها منكُم، فلا يَمسَّ من مائها شيئًا، حتّى آتي". قال: فجِئناها وقد سَبَقنا إليها رَجُلانِ، والعينُ تبُضُّ بشيءٍ من ماءٍ، فسَألهُما رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "هل مَسَستُما من مائها شيئًا؟ " فقالا: نعم، فسبَّهُما رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وقال لهُما ما شاءَ اللهُ أن يقولَ، ثُمَّ غَرفُوا بأيديهِم من العَيْنِ قليلًا قليلًا، حتّى اجتمَعَ في شيءٍ، ثُمَّ غسَلَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - منهُ وَجْهَهُ ويَدَيهِ، ثُمَّ أعادَهُ فيها، فجَرَتِ العَيْنُ بماءٍ كثيرٍ، فاسْتَقَى النّاسُ، ثُمَّ قال رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُوشِكُ يا مُعاذُ إن طالَتْ بكَ حياةٌ، أن تَرى ما هاهُنا قد مُلِئَ جِنانًا".
قال أبو عُمر: هذا حديثٌ صحيحٌ ثابتٌ، وأبو الطُّفيلِ من كِبارِ التّابِعين وجِلَّتِهِم وعُلَمائهِم، مِمَّن وُلِدَ على عَهدِ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد ذكَرْناهُ في كِتابِنا في الصحابةِ (¬٣) على شَرْطِنا فيه، فأغْنَى عن ذِكْرِهِ هاهُنا، وقد ذكَرْنا مُعاذَ بنَ جَبَل (¬٤) هُناك ذِكرًا مُجوَّدًا إن شاءَ الله، وكان أبو الطُّفيل مُحِبًّا في عليٍّ، غيرَ مُتَنقِّصٍ لغيرِهِ من الصَّحابةِ، وجهِلَ أمرَهُ من جعلهُ من الشِّيعةِ الغاليةِ.
---------------
(¬١) الموطأ ١/ ٢٠٦ - ٢٠٧ (٣٨٣).
(¬٢) قوله: "عن أبي الزُّبير" سقط من م.
(¬٣) انظر: الاستيعاب ٢/ ٧٩٨.
(¬٤) انظر: الاستيعاب ٣/ ١٤٠٢.

الصفحة 43