كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 8)

فقال قائلُونَ: هذا الخيارُ المُشْتَرطُ من كلِّ واحدٍ منهُما، على حَسَبِ ما يجُوزُ من ذلك، كالرَّجُلِ يَشْترِطُ الخيار ثلاثةَ أيام، أو نحوها، فإنَّ المُسلِمينَ على شُرُوطِهِم (¬١). هذا قولُ الشّافِعيِّ، وأبي ثَوْرٍ، وجماعةٍ.
وقال آخرُونَ: معنى قولِه: "إلّا بيعَ الخيارِ". وقولِهِ: "إلّا أن يكونَ بيعُهُما عن خِيار". ونحوِ هذا، هُو أن يقول أحدُهُما بعد تمام البيع لصاحِبِهِ: اخْتَر إنفاذ البيع أو فسخهُ، فإنِ اختارَ إمضاءَ البيع، تمَّ البيعُ بينهُما وإن لم يتَفرَّقا (¬٢). هذا قولُ الثَّوريِّ، واللَّيثِ بن سَعْدٍ، والأوزاعيِّ، وابنِ عُيينةَ، وعُبيدِ الله بن الحسن (¬٣)، وإسحاق بن راهُوية (¬٤). ورُوي ذلك أيضًا عن الشّافِعيِّ.
وكان أحمدُ بن حَنْبل يقولُ: هُما بالخيارِ أبدًا، قالا هذا القول أو لم يقولاهُ، حتَّى يَفْترِقا بأبْدانِهِما من مَكانِهِما.
حدَّثنا عبدُ الله بن محمدٍ، قال حدَّثنا محمدُ بن بكرٍ، قال حدَّثنا أبو داود، قال (¬٥): حدَّثنا مُسدَّدٌ، قال: حدَّثنا حمّاد، عن جَميلِ بن مُرَّةَ، عن أبي الوَضِيء، قال: غَزَونا غزوةً، فنزلنا مَنْزِلًا، فباعَ صاحِبٌ لنا فرسًا بغُلام، ثُمَّ أقاما بقيَّةَ يومِهِما وليلتِهِما، فلمّا أصْبَحا (¬٦) من الغَدِ، وحضَرَ الرَّحيلُ (¬٧)، قامَ إلى فَرسِهِ ليُسْرِجهُ
---------------
(¬١) قوله: "فإن المسلمين على شروطهم" لم يرد في الأصل.
(¬٢) في ظا: "يفترقا".
(¬٣) في الأصل: "بن الحسين". وقد سلف التنبيه عليه.
(¬٤) انظر: مختصر اختلاف العلماء ٣/ ٤٦.
(¬٥) في سننه (٣٤٥٧). ومن طريقه أخرجه البيهقي في الكبرى ٥/ ٢٧٠. وأخرجه أحمد في مسنده ٣٣/ ٤٧ (١٩٨١٣)، وابن ماجة (٢١٨٢)، والبزار في مسنده ٩/ ٣٠٥ - ٣٠٦ (٣٨٦٠)، والطحاوي في شرح معاني الآثار ٤/ ١٣، وفي شرح مشكل الآثار ١٣/ ٢٧٦ (٥٢٦٣) من طريق حماد، به. وأخرجه البزار في مسنده ٩/ ٣٠٦ (٣٨٦١/ ١)، والدار قطني في سننه ٣/ ٣٨٥ (٢٨٠٩) من طريق هشام بن حسان، عن جميل بن مرة، به. وانظر: المسند الجامع ١٥/ ٤٨٦ (١١٨٤٤).
(¬٦) في ظا: "أصبح".
(¬٧) في ض، م: "الرجل".

الصفحة 459