كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 8)

وكذلك اتَّفقُوا كلُّهُم عن نافِع في هذا الحديثِ، على أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بعَثَ السَّريَّةَ، وأنَّ سُهمان أهلِ السَّريَّةِ، هي السُّهمانُ المذكُورةُ في هذا الحديثِ، وأنَّهُم نُفِّلُوا بعيرًا بعيرًا مع ذلك. حاشا شُعَيبِ بن أبي حمزةَ وحدَهُ، فإنَّهُ انفردَ بأن قال: بعَثَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - جَيْشًا قِبَلَ نَجْدٍ، فانْبَعثت منهُ هذه السَّريَّةُ. فجعَلَ السَّريَّةَ خارِجةً من العسكرِ، وليس ذلك في حديثِ غير، وإنَّما قال غيرُهُ: إنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بعَثَ سريَّةً.
وبيَّن الوليدُ بن مُسلِم هذا المعنى عن شُعَيبٍ، فقال في حديثهِ هذا: بعَثَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ نَجْدٍ أربعةَ آلافٍ، فانْبَعثت منهُ هذه السَّريَّةُ. وقال شُعيبٌ أيضًا: إنَّ سُهمان ذلكَ الجيشِ كان اثنَيْ عشَرَ بعيرًا، اثني عشَر بعيرًا، ونُفِّلَ أهلُ السَّريَّةَ خاصَّةً بعيرًا بعيرًا.
وهذا لم يقُلهُ غيرُهُ، وإن كان المعنى فيه صحيحًا، لأنَّهُ (¬١) لا يختلِفُ العُلماءُ أنَّ السَّريَّةَ إذا خَرَجت (¬٢) من العَسْكرِ فغَنِمت، أنَّ أهل العَسْكرِ شُركاؤُهُم فيها، إلّا أنَّ هذه مَسْألةٌ وحُكمٌ لم يذكُرهُ في هذا الحديثِ غيرُ شُعَيبِ بن أبي حمزةَ، عن نافِع، إلى ما انفردَ به شُعيبٌ أيضًا، من أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بعَثَ جيشًا، فانْبَعثَتْ منهُ تلكَ السَّريَّةُ. ولم يذكُرِ الإذنَ لها، ولهذا، والله أعلمُ قال ابنُ المُباركِ للوليدِ بن مُسلِم: إنَّ شُعيبًا هذا ومن ذُكِرَ مَعهُ، يعني ابن أبي (¬٣) فَرْوةَ (¬٤)، لا يُعدَلُ بمالكِ بن أنَس. وصدقَ ابنُ المُباركِ.
قال أبو عُمرَ: فهذا تمهيدُ نَقْلِ هذا الحديثِ، وتهذيبُ إسنادِهِ وألفاظِهِ.
---------------
(¬١) في م: "إلا أنه"، والمثبت من الأصل.
(¬٢) في م: "أُخرجت".
(¬٣) هذا الحرف سقط من م. وقد سلف قريبًا على الصواب، وهو إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة.
انظر: تهذيب الكمال ٢/ ٤٤٦.
(¬٤) في الأصل: "برزة"، محرف.

الصفحة 477