كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 8)

وأمّا مَعانيهِ، فإنَّ فيه من الفِقهِ: إرسالَ (¬١) السَّرايا إلى أرضِ العدُوِّ، وذلك عندَ أهلِ العِلْم مردُودٌ إلى إذْنِ الإمام واجْتِهادِهِ، على قَدْرِ ما يعلمُ من قُوَّةِ العَدُوِّ وضعفِهِ.
وفيه: أنَّ ما يَحصُلُ عليه المُسلِمُون ويُفيدُونَهُ من أموالِ العدُوِّ، يُسمَّى غَنِيمةً، وفي هذا ومِثلِهِ قال الله عزَّ وجلَّ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الآيةَ [الأنفال: ٤١].
وفيه: أنَّ ما غَنِمهُ المُسلِمُونَ من أموالِ المُشْرِكينَ يُقْسَمُ بينهُم بعدَ إخراج خُمُسِهِ سُهمانًا، وما حصَلَ من ذلك بأيديهِم، فهُو مالٌ من أموالِهم، من أطْيَبِ كسبِهِم، إذا سلِمَ من الغُلُولِ، وأُخرِجَ خُمُسِه (¬٢).
وفي قولِ الله عزَّ وجلَّ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} دليلٌ على أنَّ أربعةَ أخْماسِ الغَنائم لأهْلِها الغانِمين لها، والمُوجِفينَ (¬٣) عليها بالخيلِ (¬٤) والرِّكاب والرَّجْلِ، لأنَّ الله عزَّ وجلَّ لمّا أضافَ الغَنِيمةَ إليهم بقولِهِ: {غَنِمْتُمْ}، وأخبَرَ أنَّ الخُمسَ خارِجٌ عنهُم لمن سَمَّى في الآيةِ، علِمَ العُلماءُ استِدلالًا ونَظَرًا صحيحًا، أنَّ الأربعةَ الأخْماسِ المسكُوتِ عنها لهم، وأنَّها (¬٥) مقسُومةٌ بينهُم، وهذا ما لا خِلافَ فيه، ألا ترَى إلى قولِ الله عزَّ وجلَّ: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: ١١] فلمّا جعَلَ الأبوَينِ الوارثينِ، وأخبَرَ أنَّ للأُمِّ الثُّلُث، اسْتَغْنى عن أن يقول: وللأبِ الثُّلُثانِ.
---------------
(¬١) في م: "بإرسال".
(¬٢) قوله: "وأخرج خمسه" لم يرد في الأصل، وفي ض، م: "وإخراج خمسه".
(¬٣) الإيجاف: سرعة السير، وقد أوجف دابته، يوجفها إيجافًا، إذا حثها على السير. انظر: النهاية لابن الأثير ٥/ ١٥٧.
(¬٤) في م: "الخيل".
(¬٥) هذه الكلمة سقطت من م.

الصفحة 478