كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 8)

وفيه: أنَّ للإمام، وللأميرِ على الجَيْشِ، أن يُنفِّلَ من الغَنائم ما شاءَ، على قَدْرِ اجتِهادِهِ.
وفي رِوايةِ مالكٍ وغيرِهِ مِمَّن تابَعهُ على هذا الحديثِ، ما يدُلُّ على أنَّ النَّفلَ لم يكُن من رأسِ الغَنِيمةِ، وإنَّما كان من الخُمُسِ.
وفي رِوايةِ محمدِ بن إسحاقَ، ما يدُلُّ على أنَّ ذلك كان من رأسِ الغَنيمةِ، ومالك (¬١) أثبت وأحفظ وقد تابعه حُفّاظ أئمة الحديث، والقلب يسكن إلى روايتهم.
وهذا موضِعٌ اختَلَف فيه العُلماءُ، وتنازَعُوا قديمًا وحديثًا (¬٢).
والنَّفلُ يكونُ على ثلاثةِ أوجُهٍ: أحَدُها أن يُريد الإمامُ تَفْضيلَ بعضِ الجيشِ، لشيءٍ يَراهُ من غَنائهِ (¬٣) وبأسِهِ وبلائهِ، أو لمكرُوهٍ تَحمَّلهُ دُونَ سائرِ الجَيْشِ، فيُنَفِّلهُ من الخُمُسِ، لا من رأسِ الغَنيمةِ، أويجعلُ لهُ سَلَب قتيلِهِ.
وسيأتي القولُ في سَلَبِ القتيلِ، في بابِ يحيى بن سعيدٍ، من كِتابِنا هذا إن شاءَ الله.
والوَجْهُ الآخرُ: أنَّ الإمامَ إذا بعَثَ سريَّةً من العَسْكرِ، فأرادَ أن يُنَفِّلها مِمّا غَنِمَت دُونَ أهلِ العَسْكرِ، فحقُّهُ أن يُخمِّس ما غَنِمت، ثُمَّ يُعطي السَّريَّةَ مِمّا بَقِي بعد الخُمُسِ ما شاءَ، رُبعًا، أو ثُلُثًا، ولا يزيدُ على الثُّلُثِ، لأنَّهُ أقْصىَ ما رُوِيَ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَفَّلهُ، ويَقْسِمَ الباقي بين جَميع أهلِ العَسْكرِ، وبين السَّريَّةِ على السَّويَّةِ، للفارِسِ ثلاثةُ أسهُم، وللرّاجِلِ سَهْمٌ واحدٌ.
---------------
(¬١) من هنا إلى نهاية الفقرة من ظا، وجاء بدلها في الأصل: "والله أعلم أي ذلك كان".
(¬٢) تنظر تفاصيل ذلك في: الأم ٤/ ١٥٠، والإشراف لابن المنذر ٤/ ٨٤ - ٨٩، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٣/ ٤٥٦ - ٤٦٣ (١٦١١ - ١٦١٥)، والمغني لابن قدامة ٩/ ٢٣١ - ٢٣٢، والبيان والتحصيل ١٨/ ١٨٤.
(¬٣) الغَناء، بفتح الغين ممدودًا، أي: النفع. انظر: لسان العرب ١٥/ ١٣٦.

الصفحة 479