كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 8)

والوجهُ الثّالثُ: أن يُحرَّضَ الإمامُ، أو أميرُ الجَيْشِ أهل العَسْكرِ على القِتالِ قَبْل لقاءِ العدُوِّ، ويُنفِّل جميعهُم مِمّا يصيرُ بأيديهِم، ويفتحهُ الله عليهم: الرُّبُع، أوِ الثلُثَ قبلَ القَسْم، تحريضًا منهُ على القِتالِ.
وهذا الوجهُ كان مالكٌ يَكْرهُهُ ولا يراهُ.
وكان يقولُ: قِتالُهُم على هذا الوجهِ، إنَّما يكونُ للدُّنيا (¬١). وكان يكرَهُ ذلك ولا يُجيزُهُ، وأجازَهُ جماعةٌ من أهلِ العِلم.
وأمّا اختِلافُهُم في هذا البابِ، فإنَّ جُملةَ قولِ مالكٍ وأصحابِهِ: أن لا نفلَ إلّا بعدَ إحْرازِ الغَنِيمةِ، ولا نفلَ إلّا من الخُمُسِ، والنَّفلُ عندَهُم أن يقولَ الإمامُ: من قتَلَ قتيلًا فلَهُ سلَبُهُ. قال مالكٌ: ولم يقُلها رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلّا بعدَ أن بَرَدَ القِتالُ. وكرِهَ مالكٌ أن يُقاتِلَ أحدٌ على أنَّ لهُ كذا (¬٢).
ومِن الحُجَّةِ لمالكٍ في ذلك، ما رَواهُ عليُّ بنُ المدينيِّ، وابنُ أبي شيبةَ، عن زيدِ بن الحُبابِ، عن رَجاءِ بن أبي سَلَمةَ، قال: سمِعتُ عَمرو بن شُعيبٍ يُحدِّثُ، عن أبيهِ، عن جَدِّهِ، قال: لا نفلَ بعدَ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، يَرُدُّ قويُّ المُسلِمينَ على ضعيفهِم. قال رجاءٌ (¬٣): سَمِعْتُ سُليمان بن موسى الدِّمشقيَّ، وهُو معنا جالِسٌ يقولُ: سَمِعتُ مكحُولًا يقولُ، عن زيادِ (¬٤) بن جاريةَ، عن حَبيبِ بن مَسْلَمةَ (¬٥):
---------------
(¬١) انظر: الاستذكار ٥/ ٤٣.
(¬٢) المصدر السابق.
(¬٣) في الأصل: "رجل".
(¬٤) في الأصل: "زيد"، محرف. وهو زياد بن جارية التميمي الدمشقي. انظر: تهذيب الكمال ٩/ ٤٣٩.
(¬٥) في الأصل: "سلمة"، محرف. وهو حبيب بن مسلمة بن مالك بن وهب بن ثعلبة القرشي الفهري، أبو عبد الرحمن المكي، نزيل الشام، مختلف في صحبته. انظر: تهذيب الكمال ٥/ ٣٩٦.

الصفحة 480