كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 8)

أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نفَّل في البَداءةِ الرُّبُع، وحينَ قفَلَ الثُّلُث. فقال عَمرُو بن شُعيب: تُراني أحدِّثُكَ عن أبي، عن جدِّي، وتُحدِّثُني عن مَكْحُول (¬١).
ففي حديثِ عَمرِو بن شُعَيبٍ هذا: أن لا نفلَ، ليرُدَّ قَويُّ المُسلِمينَ على ضعيفِهِم. وهُو حُجَّةٌ لمالكٍ، وأمّا السَّلَبُ بعدَ أن يبرُد القِتالُ، فمَخصوصٌ (¬٢) ومعمُولٌ به، لما فيه من حَديثِ أبي قَتادةَ (¬٣) وغيم، والله أعلمُ.
ورأى مالكٌ رحِمهُ الله تَنْفيلَ السَّلَبِ من الخُمُسِ (¬٤)، لأنَّ الخُمُسَ مردُودٌ قِسْمتُهُ عندَهُ إلى اجتِهادِ الإمام، وأهلُهُ غيرُ مُعيَّنين، ولم يَرَ النَّفلَ من رأسِ الغَنِيمةِ، لأنَّ أهلها مُعيَّنُونَ، وهُمُ الموجِفُونَ.
وقال الشّافِعيُّ: جائزٌ للإمام أن يُنَفِّلَ قبلَ إحْرازِ الغَنيمةِ وبَعْدها، على وَجْهِ الاجتِهاد (¬٥).
قال الشّافِعيُّ: وليسَ في النَّفلِ حَدٌّ. قال: وقد رَوَى بعضُ الشّاميِّينَ: أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نفَّلَ في البَداءةِ والرَّجْعةِ الثُّلُث في واحدةٍ، والرُّبُع في الأُخْرَى.
وقال: في رِوايةِ ابنِ عُمرَ ما يدُلُّ على أنَّهُ نفَّلَ نِصفَ السُّدُسِ.
قال: فهذا يدُلُّ على أنَّهُ ليسَ للنَّفلِ حَدٌّ لا يَتَجاوزُهُ الإمامُ، وأكثرُ مَغازي رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لم يَكُن فيها إنفالٌ، قال: فيَنْبغي أن يكونَ ذلكَ على الاجتِهادِ من الإمام غير محدُود (¬٦).
---------------
(¬١) أخرجه ابن ماجة (٢٨٥٣)، وابن عساكر في تاريخ دمشق ١٤/ ١٢٣، ١٢٤، من طريق زيد بن الحباب، به. دون ذكر جارية. ورواية ابن عساكر مختصرة.
(¬٢) في ض، م: "فخصوص".
(¬٣) أخرجه في الموطأ ١/ ٥٨٥ - ٥٨٦ (١٣١١).
(¬٤) في ظا: "قال أبو عمر: رأي مالك النفل من الخمس، وهو قول سعيد بن المسيب"، بدل: "ورأي مالك رحمه الله تنفيل السَّلَب من الخمس".
(¬٥) الأم ٤/ ١٥١.
(¬٦) انظر: الأم ٤/ ١٤٤.

الصفحة 481