كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 8)

وممَّن قال بهذا: الأوزاعيُّ، والشّافِعيُّ (¬١)، وجماعةٌ من الشّاميِّين والعِراقيِّينَ.
ومِن ذلك أيضًا: الأرضُ، واختِلافُهُم فيها، وفي قِسْمتِها، وتَوْقيفِها. وقد ذكَرْنا ذلك في بابِ ابنِ شِهاب، عن سعيدِ بن المُسيِّبِ، من كِتابِنا هذا، فلا وجهَ لإعادتِهِ هاهُنا.
وهذا كلُّهُ مِنِ اختِلافِهِم فيما ذكَرْنا، إجماعٌ منهُم على أنَّ الآيةَ مخصُوصةٌ، فيها ضَميرُ الأنفالِ، وأنَّها مردُودةٌ إلى الإمام على اجتِهاد، فإن شاءَ نفَّلَ قبلُ، وإن شاءَ بعدُ على قَدرِ ما يَراهُ من الاجتِهادِ للمُسلِمين.
والسَّلبُ من النَّفلِ، عندَ جميعِهِم، كما قال ابنُ عبّاس (¬٢).
قال الله عزَّ وجلَّ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١)} [الأنفال: ١]. وفي هذه الآيةِ دليلٌ على أنَّ النَّفلَ يجتهِدُ فيه الإمامُ على حسَبِ ما ثبَتَ من أفعالِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، والله أعلمُ.
رَوَى الثَّوريُّ وعبدُ الله (¬٣) بن جعفرِ بن نجيح وجماعةٌ، عن عبدِ الرَّحمنِ بن الحارِت بن عبدِ الله بن عيّاشِ بن أبي رَبيعةَ، عن سُليمان بن موسى الأشْدَقِ، عن مَكْحُولٍ، عن أبي سلّام الباهِليِّ، عن أبي أُمامةَ الباهِليِّ صاحِبِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، عن عُبادةَ بن الصّامِتِ قال: خرجَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بَدْرٍ، فلقِيَ العدُوَّ، فلمّا هَزَمهُمُ الله، اتَّبَعتهُم (¬٤) طائفةٌ من المُسلِمينَ تُقاتِلُهُم، وأحْدَقت طائفةٌ برسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -،
---------------
(¬١) انظر: الأم ٤/ ١٤٣.
(¬٢) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٥٨٦ (١٣١٢).
(¬٣) في ض، م: "عبيد الله"، محرف. وهو عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي، أبو جعفر المديني، والد علي بن المديني. انظر: تهذيب الكمال ١٤/ ٣٧٩.
(¬٤) في م: "تبعتهم".

الصفحة 488