كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 8)

ورَوَينا عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، من حديثِ ابن عبّاسٍ أنَّهُ قال: "الجمعُ بين الصَّلاتينِ في الحَضَرِ لغيرِ عُذرٍ، من الكَبائرِ" (¬١). وهُو حديثٌ ضعيفٌ (¬٢).
واختلفُوا في عُذرِ المَرَضِ والمطَر (¬٣).
فقال مالكٌ وأصحابُهُ: جائزٌ أن يُجمعَ بين المغرِبِ والعِشاءِ ليلةَ المطرِ. قال: ولا يُجمَعُ بين الظُّهرِ والعصرِ في حالِ المطرِ. قال: ويُجمَعُ بين المغرِبِ والعشاءِ، وإن لم يكُن مطرٌ، إذا كان طينًا وظُلْمةً (¬٤).
هذا هُو المشهُورُ من مَذْهبِ مالكٍ في مَساجِدِ الجَماعاتِ في الحَضَرِ، وما يُنتابُ منها من المَواضِع البَعِيدةِ التي في سُلُوكِها مَشقَّةٌ.
وقال مرَّةً: يَنْصرِفُونَ مع مَغِيبِ الشَّفَقِ، يُؤَخَّرُ المغرِبُ حتّى يُؤَذَّنَ لها ويُقامُ فتُصلَّى، ثُمَّ يُؤَذِّنُ المُؤَذِّنُ في المسجِدِ للعِشاءِ ويُقيمُونها وتُصلَّى، ثُمَّ ينصرِفُونَ مع مَغِيبِ الشَّفقِ.
وقال مرَّةً أُخرى: ينصرِفُون وعليهم إسفارٌ (¬٥).
وروى زيادُ بن عبدِ الرَّحمنِ المعرُوفُ بشَبْطُونَ، عن مالكٍ، أنَّهُ قال: لا يُجمَعُ بين الصَّلاتينِ ليلةَ المطرِ في شيءٍ من المَواضِع إلّا بالمدينةِ، لفَضْلِ مَسْجِدِ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ولأنَّهُ ليسَ هُناك مَسْجِدٌ غيرُهُ، وهُو يُقصَدُ من بُعد (¬٦).
---------------
(¬١) أخرجه الترمذي (١٨٨)، والبزار (١٣٥٦، زوائد)، وأبو يعلى (٢٧٥١)، والدارقطني في سننه ٢/ ٢٤٧ (١٤٧٥)، والحاكم في المستدرك ١/ ٢٧٥، والبيهقي في الكبرى ٣/ ١٦٩.
(¬٢) لأنه من رواية حنش، وهو حسين بن قيس الرحبي أبو علي الواسطي، وهو متروك، كما في التقريب (١٣٤٢)، رواه عن عكرمة، عن ابن عباس.
(¬٣) في ض: "لمرض، ولمطر"، وينظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ٢٩٢، واختلاف الفقهاء للمروزي ١/ ١٤٧، ومختصر خلافيات البيهقي ٢/ ٣٢٢.
(¬٤) وانظر: الاستذكار ٢/ ٢١١.
(¬٥) انظر: الاستذكار ٢/ ٢١١ - ٢١٢.
(¬٦) انظر: الاستذكار ٢/ ٢١١.

الصفحة 56