كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 8)

وهذا معرُوفٌ في غيرِ ما حديثٍ، وكان ذلكَ الوقتَ من حُاودِ الإسلام وفَرائضِهِ: البَيْعةُ على هِجْرةِ الأوطانِ، والبَقاءِ معَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ولذلكَ كان قطعُ الله وَلايةَ المُؤمنينَ المُهاجِرينَ مِمَّن لم يُهاجِرْ منهُم، فقال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: ٧٢]. وقال رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنا بريءٌ من كلِّ مُسْلم باقٍ مع مُشْرِك" (¬١).
وكان يَشترِطُ عليهمُ السَّمعَ والطّاعةَ، في العُسرِ واليُسرِ، والمَنْشَطِ والمَكْرهِ، إلى أشياءَ كثيرةٍ كان يَشْترِطُها، قد وردَ في الآثارِ ذِكرُها: كبَيْعة النِّساءِ (¬٢) وغيرِها.
وقد وردَ القُرآن (¬٣) بنصِّ بَيْعتِهِ للنِّساءِ المهاجِراتِ وسكَتَ عن الرِّجالِ، لدُخُولهِم في المعنى، كدُخُولِ من أُحصنَ من الرِّجالِ، في قولِهِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: ٤] ومِثلُ هذا كثيرٌ.
وقد ذكرَ جريرٌ: أنَّهُ اشترطَ عليهمُ النُّصحَ لكلِّ مُسْلم (¬٤).
ومعنى هذه المُبايعةِ، واللهُ أعلمُ، الإعلامُ بحُدُودِ الإسلام وشَرائعِهِ وآدابِه.
وقال الشّافِعيُّ رحِمهُ الله: أمّا بيعةُ النِّساءِ، فلم يَشْترِط فيها السَّمعَ والطّاعةَ؛ لأنَّهُنَّ ليسَ عليهنَّ جِهادُ كافِرٍ ولا باغ، وإنَّما كانت بَيْعتُهُنَّ على الإسلام وحُدُودِهِ.
---------------
(¬١) سلف تخريجه في حديث ابن شهاب، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله، أفأتصدق بثلثي مالي؟ ... الحديث. وهو في الموطأ ٢/ ٣١١ - ٣١٢ (٢٢١٩).
(¬٢) في م: "كبيعتهِ للنساء" بدل: "كبَيعة النِّساء".
(¬٣) هذه اللفظة سقطت من م.
(¬٤) سيأتي بإسناده، في الحديث الثالث لعبد الله بن دينار، عن ابن عمر في البيعة، وهو في الموطأ ٢/ ٥٧٨ (٢٨١١). وانظر تخريجه في موضعه.

الصفحة 67