كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 8)
وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ حَجَّ قَبْلَ أَن يُهَاجر ثَلَاث حجج وَعَن بن عَبَّاس مثله أخرجه بن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ قُلْتُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَدِ وُفُودِ الْأَنْصَارِ إِلَى الْعَقَبَةِ بِمِنًى بَعْدَ الْحَجِّ فَإِنَّهُمْ قَدِمُوا أَوَّلًا فَتَوَاعَدُوا ثُمَّ قَدِمُوا ثَانِيًا فَبَايَعُوا الْبَيْعَةَ الْأُولَى ثُمَّ قَدِمُوا ثَالِثًا فَبَايَعُوا الْبَيْعَةَ الثَّانِيَةَ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ أَوَّلَ الْهِجْرَةِ وَهَذَا لَا يقتضى نفىالحج قَبْلَ ذَلِكَ وَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إِلَى الثَّوْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ حِجَجًا وَقَالَ بن الْجَوْزِيِّ حَجَّ حِجَجًا لَا يُعْرَفُ عَدَدُهَا وَقَالَ بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ كَانَ يَحُجُّ كُلَّ سَنَةٍ قبل أَن يُهَاجر وَفِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَنَّ خُرُوجَهُ مِنَ الْمَدِينَةِ كَانَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْحَجِّ وَأَخْرَجَهُ هُوَ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مثله وَجزم بن حَزْمٍ بِأَنْ خُرُوجَهُ كَانَ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ أَوَّلَ ذِي الْحِجَّةِ كَانَ يَوْمَ الْخَمِيسِ قَطْعًا لِمَا ثَبَتَ وَتَوَاتَرَ أَنَّ وُقُوفَهُ بِعَرَفَةَ كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ أَوَّلَ الشَّهْرِ يَوْمُ الْخَمِيسِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ بَلْ ظَاهِرُ الْخَبَرِ أَنْ يَكُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَكِنْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ صَلَّيْنَا الظُّهْرَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ خُرُوجَهُمْ لَمْ يَكُنْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَمَا بَقِيَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُمْ يَوْمَ السَّبْتِ وَيُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ لِخَمْسٍ بَقِينَ أَيْ إِنْ كَانَ الشَّهْرُ ثَلَاثِينَ فَاتَّفَقَ أَنْ جَاءَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ فَيَكُونُ يَوْمُ الْخَمِيسِ أَوَّلَ ذِي الْحِجَّةِ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعِ لَيَالٍ لَا خَمْسٍ وَبِهَذَا تَتَّفِقُ الْأَخْبَارُ هَكَذَا جَمَعَ الْحَافِظُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ كَثِيرٍ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ وَقَوِيَ هَذَا الْجَمْعُ بِقَوْلِ جَابِرٍ إِنَّهُ خَرَجَ لِخَمْسٍ بَقَيْنَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ أَوْ أَرْبَعٍ وَكَانَ دُخُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ صُبْحَ رَابِعِهِ كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَذَلِكَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَهَذَا يُؤَيِّدُ أَنَّ خُرُوجَهُ مِنَ الْمَدِينَةِ كَانَ يَوْمَ السَّبْتِ كَمَا تقدم فَيكون مكثه فِي الطَّرِيقِ ثَمَانِ لَيَالٍ وَهِيَ الْمَسَافَةُ الْوُسْطَى ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ سَبْعَةَ عَشَرَ حَدِيثًا تَقَدَّمَ غَالِبُهَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ مَشْرُوحَةً وَسَأُبَيِّنُ ذَلِكَ مَعَ مَزِيدِ فَائِدَةٍ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ حَدِيثُ عَائِشَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ
(الْحَدِيثُ الثَّانِي)
[4396] قَوْله عَن بن عَبَّاسٍ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ فَقَدْ حَلَّ فَقُلْتُ مِنْ أَيْن قَالَ هَذَا بن عَبَّاس الْقَائِل هُوَ بن جُرَيْجٍ وَالْمَقُولُ لَهُ عَطَاءٌ وَذَلِكَ صَرِيحٌ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَالْمُرَادُ بِالْمُعَرَّفِ وَهُوَ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ مَنِ اعْتَمَرَ مُطْلَقًا سَوَاءَ كَانَ قَارِنًا أَوْ مُتَمَتِّعًا وَهُوَ مَذْهَبٌ مَشْهُورٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ فِي أَبْوَابِ الطَّوَافِ فِي بَابِ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ إِذَا قَدِمَ من كتاب الْحَج
الصفحة 104
756