كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 8)

وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا فِي رِوَايَةِ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ كُنَّا نَسْمَعُ بِحَجَّةِ الْوَدَاعِ قَوْلُهُ وَلَا نَدْرِي مَا حِجَّةُ الْوَدَاعِ كَأَنَّهُ شَيْءٌ ذَكَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَحَدَّثُوا بِهِ وَمَا فَهِمُوا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَدَاعِ وَدَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى وَقَعَتْ وَفَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهَا بِقَلِيلٍ فَعَرَفُوا الْمُرَادَ وَعَرَفُوا أَنَّهُ وَدَّعَ النَّاسَ بِالْوَصِيَّةِ الَّتِي أَوْصَاهُمْ بِهَا أَنْ لَا يَرْجِعُوا بَعْدَهُ كُفَّارًا وَأَكَّدَ التَّوْدِيعَ بِإِشْهَادِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ شَهِدُوا أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ مَا أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ بِهِ فَعَرَفُوا حِينَئِذٍ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ حِجَّةُ الْوَدَاعِ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْحَجِّ فِي بَابِ الْخُطْبَةِ بِمِنًى مِنْ رِوَايَةِ عَاصِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَن بن عُمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَدَّعَ النَّاسَ وَقَدَّمْتُ هُنَاكَ مَا وَقَعَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ أَنَّ سُورَةَ إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح نَزَلَتْ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَعَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ الْوَدَاعُ فَرَكِبَ وَاجْتَمَعَ النَّاسُ فَذَكَرَ الْخُطْبَةَ قَوْلُهُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ فَحَمِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَأَثْنَى عَلَيْهِ الْحَدِيثَ وَذَكَرَ فِيهِ قِصَّةَ الدَّجَّالِ وَفِيهِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْخُطْبَةَ كُلَّهَا كَانَتْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَقَدْ ذَكَرَ الْخُطْبَةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ قِصَّةَ الدَّجَّال فِيهَا إِلَّا بن عُمَرَ بَلِ اقْتَصَرَ الْجَمِيعُ عَلَى حَدِيثِ إِنَّ أَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ الْحَدِيثَ وَقَدْ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا حَدِيثَ جَرِيرٍ وَأَبِي بَكْرَةَ هُنَا وَحَدِيثَ بن عَبَّاسٍ فِي الْحَجِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ مِنْ رِوَايَةِ عَاصِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ أَخُو عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ بن عُمَرَ بِدُونِهَا وَزِيَادَةُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ صَحِيحَةٌ لِأَنَّهُ ثِقَةٌ وَكَأَنَّهُ حَفِظَ مَا لَمْ يَحْفَظْهُ غَيْرُهُ وَسَيَأْتِي شَرْحُ مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

(الْحَدِيثُ التَّاسِعُ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ)
تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ وَقَوْلُهُ

[4404] وَأَنَّهُ حَجَّ بعد مَا هَاجَرَ حِجَّةً وَاحِدَةً لَمْ يَحُجَّ بَعْدَهَا حِجَّةَ الْوَدَاعِ يَعْنِي وَلَا حَجَّ قَبْلَهَا إِلَّا أَنْ يُرِيد نفىالحج الْأَصْغَرِ وَهُوَ الْعُمْرَةُ فَلَا فَإِنَّهُ اعْتَمَرَ قَبْلَهَا قَطْعًا قَوْلُهُ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ وَبِمَكَّةَ أُخْرَى هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ وَغَرَضُ أَبِي إِسْحَاقَ أَن لقَوْله بعد مَا هَاجَرَ مَفْهُومًا وَأَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ كَانَ قَدْ حَجَّ لَكِنِ اقْتِصَارُهُ عَلَى قَوْلِهِ أُخْرَى قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ قَبْلَ الْهِجْرَةِ إِلَّا وَاحِدَةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ حَجَّ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ مِرَارًا بَلِ الَّذِي لَا أَرْتَابُ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكِ الْحَجَّ وَهُوَ بِمَكَّةَ قَطُّ لِأَنَّ قُرَيْشًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَكُونُوا يَتْرُكُونَ الْحَجَّ وَإِنَّمَا يَتَأَخَّرُ مِنْهُمْ عَنْهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ أَوْ عَاقَهُ ضَعْفٌ وَإِذَا كَانُوا وَهُمْ عَلَى غَيْرِ دِينٍ يَحْرِصُونَ عَلَى إِقَامَةِ الْحَجِّ وَيَرَوْنَهُ مِنْ مَفَاخِرِهِمُ الَّتِي امْتَازُوا بِهَا عَلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْعَرَبِ فَكَيْفَ يُظَنُّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَتْرُكُهُ وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّهُ رَآهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَاقِفًا بِعَرَفَةَ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَوْفِيقِ اللَّهِ لَهُ وَثَبَتَ دُعَاؤُهُ قَبَائِلَ الْعَرَبِ إِلَى الْإِسْلَامِ بِمِنًى ثَلَاثَ سِنِينَ مُتَوَالِيَةً كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ

الصفحة 107