كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 8)

كِلَاهُمَا إِلَى طَرِيقٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ رُوِّينَا بِسَنَدٍ مُنْقَطِعٍ فِي الْحَلَبِيَّاتِ قَوْلَ النِّسْوَةِ لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ طَلَعَ الْبَدْرُ عَلَيْنَا مِنْ ثَنِيَّاتِ الْوَدَاعِ فَقِيلَ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ قُدُومِهِ فِي الْهِجْرَةِ وَقِيلَ عِنْدَ قُدُومِهِ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ تَنْبِيهٌ فِي إِيرَادِ هَذَا الْحَدِيثِ آخِرَ هَذَا الْبَابِ إِشَارَةٌ إِلَى أَن إرْسَال الْكتب إلىالملوك كَانَ فِي سنة غَزْوَة تَبُوك وَلَكِن لايدفع ذَلِكَ قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ كَاتَبَ الْمُلُوكَ فِي سَنَةِ الْهُدْنَةِ كَقَيْصَرَ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ كَاتَبَ قَيْصَرَ مَرَّتَيْنِ وَهَذِهِ الثَّانِيَةُ قَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَكَاتَبَ النَّجَاشِيَّ الَّذِي أَسْلَمَ وَصَلَّى عَلَيْهِ لَمَّا مَاتَ ثُمَّ كَاتَبَ النَّجَاشِيَّ الَّذِي وَلِيَ بَعْدَهُ وَكَانَ كَافِرًا وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ كَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كُلِّ جَبَّارٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ وَسَمَّى مِنْهُمْ كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَالنَّجَاشِيَّ قَالَ وَلَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ الَّذِي أسلم

(قَوْلُهُ بَابُ مَرَضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَفَاتِهِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم ميتون)
سَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَجْهُ مُنَاسَبَةِ هَذِهِ الْآيَةِ لِهَذَا الْبَابِ وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْبَابِ أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَى جِنْسِ مَرَضِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَأَمَّا ابْتِدَاؤُهُ فَكَانَ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ كَمَا سَيَأْتِي وَوَقَعَ فِي السِّيرَةِ لِأَبِي مَعْشَرٍ فِي بَيْتِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَفِي السِّيرَةِ لِسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ فِي بَيْتِ رَيْحَانَةَ وَالْأَوَّلُ الْمُعْتَمَدُ وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّهُ ابْتَدَأَ بِهِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَقِيلَ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَالَ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَاخْتُلِفَ فِي مُدَّةِ مَرَضِهِ فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَقِيلَ بِزِيَادَةِ يَوْمٍ وَقِيلَ بِنَقْصِهِ وَالْقَوْلَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَصَدَرَ بِالثَّانِي وَقِيلَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَبِهِ جَزَمَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ فِي مَغَازِيهِ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَكَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ بِلَا خِلَافٍ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَكَادَ يَكُونُ إِجْمَاعًا لَكِنْ فِي حَدِيثِ بن مَسْعُودٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ فِي حَادِي عَشَرَ رَمَضَانَ ثمَّ عِنْد بن إِسْحَاقَ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهَا فِي الثَّانِي عَشَرَ مِنْهُ وَعند مُوسَى بن عقبَة وَاللَّيْث والخوارزمي وبن زَبْرٍ مَاتَ لِهِلَالِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَعِنْدَ أَبِي مِخْنَفٍ وَالْكَلْبِيِّ فِي ثَانِيهِ وَرَجَّحَهُ السُّهَيْلِيُّ وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ يَتَنَزَّلُ مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ عَاشَ بَعْدَ حَجَّتِهِ ثَمَانِينَ يَوْمًا وَقِيلَ أَحَدًا وَثَمَانِينَ وَأَمَّا عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ فَيَكُونُ عَاشَ بَعْدَ حَجَّتِهِ تِسْعِينَ يَوْمًا أَوْ أَحَدًا وَتِسْعِينَ وَقَدِ اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ السُّهَيْلِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ أَعْنِي كَوْنَهُ مَاتَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ثَانِي عَشَرَ شَهْرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ ذَا الْحَجَّةِ كَانَ أَوَّلُهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَمَهْمَا فُرِضَتِ الشُّهُورُ الثَّلَاثَةُ تَوْأَمٌ أَوْ نَوَاقِصُ أَوْ بَعْضُهَا لَمْ يَصِحَّ وَهُوَ ظَاهِرٌ لمن تَأمله وَأجَاب الْبَارِزِيّ ثمَّ بن كَثِيرٍ بِاحْتِمَالِ وُقُوعِ الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ كَوَامِلَ وَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ اخْتَلَفُوا فِي رُؤْيَةِ هِلَالِ ذِي الْحَجَّةِ فَرَآهُ أَهْلُ مَكَّةَ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ وَلَمْ يَرَهُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ إِلَّا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَحَصَلَتِ الْوَقْفَةُ بِرُؤْيَةِ أَهْلِ مَكَّةَ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَرَّخُوا بِرُؤْيَةِ أَهْلِهَا فَكَانَ أَوَّلُ ذِي الْحَجَّةِ الْجُمُعَةَ وَآخِرُهُ السَّبْتَ وَأَوَّلُ الْمُحَرَّمِ الْأَحَدَ وَآخِرُهُ الِاثْنَيْنِ وَأَوَّلُ صَفَرٍ الثُّلَاثَاءَ وَآخِرُهُ الْأَرْبِعَاءَ وَأَوَّلُ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ الْخَمِيسَ فَيَكُونُ ثَانِي عَشَرَهُ الِاثْنَيْنِ وَهَذَا الْجَوَابُ بَعِيدٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَلْزَمُ تَوَالِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَوَامِلَ وَقَدْ جزم سُلَيْمَان التَّيْمِيّ أحد الثقاة بِأَن ابْتِدَاء مَرَضِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَوْمَ السَّبْتِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَفَرٍ وَمَاتَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَعَلَى هَذَا كَانَ صَفَرٌ نَاقِصًا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ صَفَرٍ السَّبْتَ إِلَّا إِنْ كَانَ ذُو الْحَجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ نَاقِصَيْنِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ نَقْصُ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ

الصفحة 129